شئون عربية
السلطان قابوس .. رجل الحكمة والحياد .. تعرف على بصماته في خريطة عمان .. نقلها من القبلية إلى الديمقراطية
كتبت : منى حمدانالسلطان قابوس رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 79 عاما، ويعد صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب والثالث في العالم، وبرحيله تكون الأمة العربية قد فقدت حاكمًا اتصف بالحكمة والحياد والوفاء والمحبة لشعبه.
السلطان قابوس هو «مؤسس نهضة سلطنة عمان»، على مدى 50 عامًا، منذ تقلد أمور الحكم في 23 يوليو عام 1970، حيث تعد مسيرة حكمة حافلة بالعطاء، وأسفرت عن سياسة متزنة شهد لها العالم.
وقد أعلن ديوان البلاط السلطانى فى عمان، الحداد على رحيل السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، وتعطيل العمل الرسمى للقطاعين العام والخاص لمدة ثلاثة أيام.
السلطان قابوس هو الابن الوحيد للسلطان سعيد بن تيمور بن فيصل آل سعيد، ولد فى 18 نوفمبر 1940 فى ولاية صلالة بمحافظة ظفار بسلطنة عمان.
ويعتبر «السلطان قابوس»، السلطان التاسع لعمان فى التسلسل المباشر لأسرة آل بوسعيد التى أسسها الإمام أحمد بن سعيد فى عام 1741، والذي أرسله والده إلى المملكة المتحدة حيث واصل تعليمه فى إحدى المدارس الخاصة، والتحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية فى عام 1379هـ الموافق 1960م وتخرج فيها برتبة ملازم ثان.
وعاد قابوس إلى بلاده عام 1964 ودفعه والده لدراسة الدين الإسلامى وتاريخ وثقافة عُمان، وحكم قابوس سلطنة عمان منذ العام 1970 بعدما تولى السلطة بعد والده السلطان السابق سعيد بن تيمور.
وكانت التكهنات حول صحة السلطان قابوس قد زادت الشهر الماضى بعد عودته من رحلة علاجية فى بلجيكا بشكل أسرع مما كان مقررا، ما أعطى الانطباع لدى البعض بأن حالته الصحية كانت متردية.
وكان قابوس يعانى من الإصابة بسرطان القولون منذ عام 2014 ومنذ ذلك الحين قل ظهوره بشكل كبير حتى وافته المنية، وأناب عنه عددا من المسؤولين من أبناء عمومته لحضور المناسبات واللقاءات الهامة.
وبعد وفاته بدأت مراسم تشييع السلطان قابوس بن سعيد ، في العاصمة العُمانية مسقط، ، وأعلن التلفزيون الرسمي العُماني، تنصيب هيثم بن طارق آل سعيد، سلطانا لعُمان، خلفا للسلطان قابوس، بناءا على وصية السلطان قابوس بعد جلسة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم في البلاد.
وبعد وفاة «السلطان قابوس بن سعيد»، انعقد مجلس الدفاع العماني من أجل تحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم في سلطنة عمان، وتسلم المجلس ردّ العائلة التي أكدت أن مجلسها انعقد وقرر عرفاناً وامتناناً للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد وبقناعة راسخة تثبيت من أوصى به في وصيته.
وفي هذا السياق أوكل مجلس العائلة لمجلس الدفاع القيام بفتح وصية السلطان الراحل وفقاً لما نصت عليه المادة (6) السادسة من النظام الأساسي للدولة واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به السلطان بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة، حيث انعقدت الجلسة لفتح الوصية والكشف عن اسم وزير التراث والثقافة العماني هيثم بن طارق بن تيمور، الذي تم تنصيبه سلطاناً لعمان، بناءا على وصية السلطان قابوس.
من هو سلطان عمان الجديد؟
«هيثم بن طارق بن تيمور»هو ابن عم السلطان الراحل قابوس، ولد عام 1954، وشغل منصب وزير التراث والثقافة منذ العام 2002، كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية، منها: الأمين العام للوزارة، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية، ووزير مفوض، وهو رئيس اللجنة الرئيسة للرؤية المستقبلية لسلطنة عمان 2040، كما شغل منصب رئيس اتحاد الكرة العماني خلال الفترة من 1983 إلى 1986.
وترأس أيضاً اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية التي أقيمت في مسقط 2010، أيضا كان الرئيس الفخري لجمعية رعاية الأطفال المعوقين ونادي السيب الرياضي، وعلى خلاف السلطان الراحل، الذي لم يكن لديه أولاد، فالسلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور لديه 4 أولاد بينهم بنتان.
انجازات السلطان قابوس
بعد عودة «السلطان قابوس» إلى بلاده، تعمق في دراسة الدين الإسلامي، وكل ما يتصل بتاريخ وحضارة السلطنة دولة وشعبًا على مر العصور، ما كان له عظيم الأثر في توسيع مداركه ووعيه بمسؤولياته.
كما أتيحت له الفرصة لقراءة الكثير من الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من المفكرين الذين شكلوا فكر العالم، وكان له اهتمامات واسعة، حيث ظهر ذلك في دعمه الكبير والمستمر للعديد من المشروعات الثقافية وبشكل شخصي ومحليًا وعربيًا ودوليًا، سواء من خلال منظمة اليونسكو أم غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية.
السلطان قابوس اهتم بدفع عُمان إلى حالة متقدمة من المعاصرة مع الإبقاء على الأصالة العُمانية التقليدية، بحيث لا تفقد عُمان هويتها، وفي إطار ذلك كان اهتمام قابوس بالثقافة هو الشيء الأبرز، والذي ترك آثاره الواضحة في عُمان، فبفضل قراره أصبح لدى السلطنة جامعة السلطان قابوس.
ومن أبرز هذه المشروعات على سبيل المثال لا الحصر..
موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ودعم مشروعات تحفيظ القرآن سواء في السلطنة أو في عدد من الدول العربية، وكذلك بعض مشروعات جامعة الأزهر، وجامعة الخليج وعدد من الجامعات والمراكز العلمية العربية والدولية، فضلاً عن جائزة السلطان قابوس لصون البيئة التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونسكو ودعم مشروع دراسة طريق الحرير والنمر العربي والمها العربي وغيرها.
وحصل «السلطان قابوس» على الكثير من الجوائز والتكريمات العالمية، من بينها 34 وسامًا وقلادة وميدالية، جائزة السلام من قبل 33 جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية.
ونقل البلاد من الحكم القبلي التقليدي إلى الحكم النظامي الديمقراطي، وذلك بإنشائه المجلس الاستشاري للدولة، وبعد عدة أعوام استبدله بمجلس الشورى يمثل أعضاؤه جميع الأقاليم، وهو مجلس استشاري تشرف عليه هيئة أعلى تنفيذية تُعرف بمجلس عمان.
ومن أهم إنجازات «السلطان قابوس» أنه أسس حكومة على النظام الديمقراطي، فبدأ بتكوين سُلطة تنفيذية مؤلفة من جهاز إداري يشمل مجلس الوزراء والوزارات المختلفة، إضافة إلى الدوائر الإدارية والفنية والمجالس المتخصصة.
وقد أوضح «السلطان قابوس» الخطوط الرئيسية لسياسته الخارجية، وذكر أنها مبنية على حسن الجوار مع جيرانه وأشقائه وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية وتدعيم علاقات عُمان معهم جميعاً، وإقامة علاقات ودية مع سائر دول العالم والوقوف مع القضايا العربية والإسلامية، ومناصرتها في كل المجالات، مؤكدا الحياد الإيجابي.
وقام بإرسال بعثات دبلوماسية تمثل عُمان في أغلب أقطار العالم، كما فتح أبواب عُمان أمام البعثات الأجنبية وأنشئت فيها القنصليات والسفارات والهيئات الدولية والإقليمية، حققت سياسة السلطان قابوس الاستقرار والأمن وهما الدعامتان الأساسيتان لبناء السلطنة ولتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
وداخليًا، أنشأ المدارس في كل أرجاء البلاد وجعلها للجنسين، وإنشاء أعداد كبيرة من المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية في كل أرجاء عُمان وأمدها بكل احتياجاتها من أطباء ومعدات وأدوات وأدوية، وتوسع في إنتاج البترول، إضافة إلى مصانع الأسمنت ومصانع تعليب الأسماك والتمور وغير ذلك من المنتجات.
كما شجع المزارعين وعمل على تطوير طرق الزراعة ونقلها من الطرق التقليدية القديمة إلى الطرق الحديثة التي تعتمد على الآلات والمعدات الحديثة، فأصبحت البلاد تنتج كل ما تحتاجه من غذاء، من قمح وخضراوات وفواكه وغيرها ويصدر ما يفيض عن حاجتها طازجًا أو بعد تعليبه إلى البلدان المجاورة، وازدهرت التجارة في المجالين الداخلي والخارجي وارتبط ازدهار التجارة بتطور المواصلات التي تنقل المنتجات الزراعية من مناطق الإنتاج إلى سائر أنحاء البلاد وإلى الخارج.
وتم إنشاء موانئ بحرية وجوية للاتصالات الداخلية والخارجية، وتم افتتاح ميناءين كبيرين هما ميناء السلطان قابوس في مطرح وميناء ريسوت في المنطقة الجنوبية وفي عام 1981م وانضمت عُمان إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحقق السلطان قابوس بذلك تعاون بلاده مع بقية دول الخليج العربي في المجال الدفاعي المشترك وفي تحقيق المشاريع الاقتصادية المختلفة.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" إن السلطان قابوس نجح على مدى حكمه الذى دام نحو 4 عقود، فى تحويل عمان، الدولة النفطية الصغيرة من بلد فقير تمزقه النزاعات إلى بلد يتمتع بالرخاء، ويعرف بوساطته بين دول المنطقة.
ويعد النفط عماد الاقتصاد العمانى ورغم أن إنتاج النفط يعد متواضعا مقارنة بإنتاج الجيران فى الخليج، إلا أن صيد الأسماك والزراعة مصدرين مهمين للدخل أيضا.
أيضا قطاع السياحة، هو مصدر مهم آخر للدخل، شهد انتعاشا فى السنوات الأخيرة إذ يقبل السواح على شواطئ عمان البكر وجبالها وصحاريها وعلى العاصمة مسقط بقلاعها ومدينتها القديمة المسورة. وتمكنت عمان من تجنب ظاهرة العنف والتطرف التين تعاني منهما بعض جاراتها.
ومن أقوال «السلطان قابوس» فيما يتعلق بالتحديث «عمان اليوم غيرها بالأمس فقد تبدل وجهها الشاحب ونفضت عنها غبار العزلة والجمود وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها للنور الجديد».
وتحتل عمان موقعا استراتيجيا عند مدخل الخليج فى الزاوية الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، وكانت فى القرن التاسع عشر تتنافس مع البرتغال وبريطانيا على النفوذ فى منطقتى الخليج والمحيط الهندى.
ولكن البلاد عانت تحت حكم السلطان سعيد الذي تولى الحكم في عام 1932 من عزلة دولية استمرت لعدة عقود وكانت مجتمعا إقطاعيا يشهد حركات عصيان داخلي متعددة.
وبعد أن تولى «السلطان قابوس» الحكم في عام 1970، عمل على إخماد حركات التمرد التي كانت في بلاده ومن بينها التمرد في محافظة ظفار الجنوبية (1965 - 1975) وتطلب ذلك منه حوالي خمس سنوات.
وبعد تمكنه من إخماد التمرد في جنوب البلاد، فتح عُمان للعالم الخارجي وأطلق عملية اصلاح اقتصادي وزاد الانفاق في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
كما شهد قطاع السياحة، وهو مصدر مهم آخر للدخل، انتعاشا في السنوات الأخيرة إذ يقبل السواح على شواطئ عمان البكر وجبالها وصحاريها وعلى العاصمة مسقط بقلاعها ومدينتها القديمة المسورة.
وتمكنت عمان إلى الآن من تجنب ظاهرة العنف والتطرف التين تعاني منهما بعض جاراتها.
وحرص «السلطان قابوس» على اتباع سياسة الحياد إزاء الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، وطبع بلاده الواقعة في منطقة تعج بالصراعات والتوترات بهذا الطابع الحيادي.
وارتبط بعلاقات صداقة مع العديد من الدول في العالم العربي والعالم، وعرف بتركيزه على شؤون عُمان الداخلية وتجنب التدخل في شؤون الدول المجاورة، إذ تحد بلاده كل من السعودية واليمن والإمارات وتمتلك موقعا استراتيجيا يتحكم بحركة الملاحة في مضيق هرمز.
كما كان من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي وقد حرص على أن يتبع سياسة الحياد نفسها بين أطراف الأزمة الخليجية الأخيرة بين السعودية وبعض الدول العربية الأخرى وقطر في عام 2018 .
واستطاع أن يلعب دور الوسيط في الكثير من النزاعات في المنطقة، لاسيما تلك المتعلقة بإيران المجاورة لبلاده، إذ استطاع تسهيل محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013، أدت إلى اتفاق نووي تاريخي بعد ذلك بعامين.
ولم تكن عُمان بمنأى عن فورة الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة إبان ما يعرف بـ "الربيع العربي"، فقد اندلعت فيها في عام 2011 مظاهرات مطالبة بالإصلاح وخرج الآلاف إلى الشوارع مطالبين بتحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأجور وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد.
وقد سمحت السلطات العمانية لهذه المظاهرات في البداية، لكنها عادت لاحقا إلى استخدام شرطة مكافحة الشغب لقمع هذه المظاهرات، كما حاكمت المئات بموجب قوانين تجرم "التجمعات غير القانونية" و"إهانة السلطان".
ورد «السلطان قابوس» على موجة الاحتجاج بإجراء بعض التعديلات الوزارية وتنحية العديد من الوزارء والمسؤولين الذي بقوا في مناصبهم لفترات طويلة وشابت البعض منهم اتهامات فساد، ووسع سلطات المجلس الاستشاري وتعهد بزيادة فرص العمل ورفع الرواتب.
كما كان لـ «السلطان قابوس» عدة مواقف مشرفة وخاصة مع مصر، حيث تبرع بربع رواتب الموظفين لدعم مصر خلال حرب أكتوبر 73، كما احتفظ بعلاقته مع القاهرة فى أعقاب مقاطعة بعض الدول العربية على خلفية توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.