مقالات
ممدوح الشناوي يكتب: دكر البط الموتور .!
بقلم / ممدوح الشناويعالم القرية المفتوح على طبيعته منح أطفالها فرصة عظيمة ليروا ويتفاعلوا مع عوالم أخرى أبطالها حيوانات وطيور وحشرات ونباتات , فكلنا خرجنا من رحم طبيعة واحدة ليصبح بيننا تراحم وتناغم وانسجام وتفاعل .
لذلك لم يكن عجيبا أو مدهشا أن تقع عينك الطفلة على لقاء عاطفي بين عصفور وعصفورة أو زوجين من الحمام يتبادلان القبلات أو حتى ما قد يتعدى ذلك بين كل صنوف الطيور والحيوانات , وربما لم يكن لعقلنا الطفل أن يدرك ماهية العلاقات بينهم, ولكننا كنا نجد دائما في كل ركن أنثى وذكر ولقاء مرتقب .
كل هذه اللقاءات كانت عادية بذكورها وإناثها وتفاصيلها , إلا ذكر البط ! كنت أشعر أنه سادي النفسية متغطرس وقاسي التعامل جدا مع أنثاه , صراحة كنت أكرهه شخصيا وأشفق على هذه الأنثى المسكينة التي وهبت لها الطبيعة ذكرا بمثل هذا الصلف والعنف واللامبالاة بضعف بنيتها ورقة حالها , لذلك كنت أستمتع جدا - على عكس كل الطيور والحيوانات الأخرى- بمشهد ذبحه ونزع ريشة وتجريده من ذلك التاج الأحمر المستفز الذي يعلو أنفه .
ومع كل موسم كانت تتعالى صيحات ذكور البط وهم يسلمون أنفاسهم الأخيرة لسكاكين نساء القرية .. كانت تمر بعدها لحظات ليست بالطويلة , وتتلاقى أدخنة الأرز المعمر والبط المحمر فوق أسطح بيوت قريتنا الطينية لتنادي على رجالها وأطفالها في الشوارع والحقول أن هلموا فقد آن وقت الغداء .
كان موقعي دائما على يمين والدتي- رحمة الله عليها - فهي من كانت تشق بسكينها صدر دكر البط المحمر المستلقي باستسلام تام وسط بقايا شحمه لتعطي كلا منا نصيبه .. أول الأنصبة وأكبرها كان لأبي -بارك الله في عمره وصحته -ثم تمر بيدها الطيبة لتسلم أيادينا الصغيرة أنصبتها من دكر البط المتغطرس .
لا أدري حتى الآن أكان حبي لأكل دكر البط لحلاوة طعمه أم كان فرحا بنهاية سطوته وقسوته , ولكن كل ما أتذكره جيدا أنني كنت بعد أن أنتهي من أكل غداء الموسم وشرب الشاي الثقيل أصعد فوق سطح المنزل لأرى كيف تعيش أنثى البط حياتها بعد أن نعمت بحريتها وتخلصت من عنف وقسوة ذكرها المجنون , فلم ألمح يوما في عينيها فرحة لرحيله ولا حتى راحة للخلاص منه , ولكنها كانت ويا للعجب تبدو دائما حائرة حزينة وكأنما كتب عليها القدر وارتضت هي بكتابته أن تكون حياتها هكذا أنثى مسكينة لذكر موتور .