وثائقى
في ذكرى رحيل ”عاشق فلسطين” | مراحل هامة في حياة الشاعر محمود درويش
لمياء محمدتحل اليوم ذكرى وفاة أحد عمالقة الثقافة في الوطن العربي والعالم، من كانت حياته زاخرة بمواقف لا تنسى في نضال الحياة الكريمة وحقوق أمته المحتلة، لاقى أسراً ومفارقة لأرضه، ولكن دماءه أبت الاختلاط بثقافات من لجأ إليهم فأبقى على هويته المناضلة.
أثرت كلماته في الوطن العربي من خليجه إلى مغربه بمشاعر الوطنية الصادقة القوية التي لاشك كانت لازمة له منذ نشأته إلى وفاته التي اجتمع فيها جميع أبناء وطنه ورئيسه ورثاه كل من وقعت عيناه على حروف أصبغها بيده وعقله وعاطفته المحبة، إنه عاشق فلسطين الشاعر محمود درويش.
عانى محمود درويش في صغره حيث تم طرده من أرضه كلاجئ إلى لبنان عام 1948، وهو من مواليد قرية البروة تقع في الجليل قرب ساحل عكا، وعاد متسللًا في العام التالي برفقة أسرته ليجد أن قريته لم يعد لها وجود وأصبح بدلًا منها "موشاف أحيهود" و"كيبوتس يسعور".
وجع ألم به في صغر سنه ولكنه عاش في القرية الجديدة إيمانًا أنها كانت وستظل أرضه وأرض عائلته، انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي بعد أن أنهى دراسته الثانوية وعمل في صحافة الحزب وأصبح مشرفًا على تحرير جريداته مثل "الاتحاد" و"الجديد" .
منذ بداية العام 1961 اُعتقِل محمود درويش من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتهم تتعلق بنشاطه السياسي آنذاك، ليذهب إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1972 ليكمل دراسته ومن ثم اتجه إلى مصر كلاجئ وفيها عمل في جريدة الأهرام وفي نفس العام التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وأصبح عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني التابع للمنظمة التي انعقدت في عام 1964 لتمثل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.
بين تنقلاته المستمرة بين فلسطين ولبنان وسوريا ومصر وقبرص وتونس وباريس، لأسباب الحروب تارة وللنفي تارة أخرى، رغم ما يحمل الأمر من معاناة وألم إلا أنه كان له وجه إيجابي آخر في اكتشاف بريق الشاعر بداخله الذي هزت أوطانه العربية، حيث كان على علاقة بكبار الشعراء وأهمهم منهم الخال عبد الرحمن الأبنودي ونزار قباني وفالح الحجية ومحمد الفيتوري ورعد بندر وسليم بركات .
كما ساهم الشاعر اللبناني روبير غانم في اكتشافه وقدم أشعاره في جريدة "الأنوار" التي كان يترأس تحريرها.
كانت أشعار محمود درويش تتسم بطابع التجديد وإدخال الرمزية فيه، حيث تحدث عن حبه لوطنه في تشبيهات بالحبيبة الأنثى، وقسم النقاد شعره إلى ثلاثة مراحل مرتبطة بابتعاده عن وطنه والعودة إليه والإدراك بحبه في ظل الاحتلال، و مرحلة الوعي الثوري بقضية بلاده والعرب، ومن ثم مرحلة الحلم الإنساني وتعميم قضيته.
رحل محمود درويش عن دنيانا في التاسع من أغسطس عام 2008، على إثر إجرائه عملية قلب مفتوح في مركز تكساس الطبي، ليعود إلى دياره محملًا على الأكتاف ويحضر جنازته كل من اشترك معه في فلسطينيته، وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد 3 أيام في البلاد حزنًا على من أحب هويته بإخلاص حتى الرمق الأخير، وتم دفن جثمانه في قصر رام الله الثقافي الذي سمي باسمه بعد ذاك اليوم.
جراحات عدة مر بها الشاعر الفلسطيني الراحل من تشريد وفراق وسلب حقوق إنسانيته حاله كحال أبناء وطنه الذين عانوا في الماضي ولا يزالون في خوض معارك الوجود ضد الاحتلال الإسرائيلي، كان من الممكن أن لا يصنع ذلك منه شيئًا يذكر، ولكن لسبب ما كان يكمن بداخله نبحث عنه نجده بين من حفروا أسمائهم ببسالة في ذاكرة الأمة العربية، أصبح بكل جدارة عاشق فلسطين محمود درويش .
وفي هذه السطور التالية قصيدة "أمي" التي ظهرت فيه مشاعره اتجاه شوقه المقتاد لوالدته التي احتاج لتصريحات لرؤيتها أثناء إقامته في باريس قبل عودته لفلسطين.
أحنّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ،فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك .