فن وثقافة
نظرة نقدية في ثلاثية روائية للمؤلف عبد الغني ملوك
إعداد : نهلة عبد الكريم الكدر – سوريةكتبت الأديبة نهلة عبد الكريم دراسة نقدية في ثلاثية روائية للمؤلف عبد الغني ملوك حيث بدأت من الغلاف قائلة : أبهرني غلاف الرواية الأولى التي حملت عنوان مجامر الروث لما فيه من عمق وآفاق حين رسم فيه أشجار عارية قصيرة وتركت حفر مظلمة في تربة غنية وعليك أيها القارئ أن تقرأ الرواية لتفهم لماذا عجزت تلك الأشجار عن الارتفاع أو التزين بالأوراق أو بالثمار .
أما غلاف رواية الرواية الثانية في قبو الدير فقد أدهشني فعلاً حين جعله واجهة كاتدرائية من كاتدرائيات أوروبا بينما المفترض أنه يتحدث عن دير من أديرة العراق أثناء الغزو الأمريكي له .
و فيما كان غلاف الرواية الثلاثة " الحب في زمن التحولات " يمثل فتاة رائعة الجمال كاملة الأنوثة لكن تعابير وجهها و الألوان المتضاربة التي رسمت تجعلك أيها القارئ تشعر أنها مرت بأحداث رهيبة تدفعك إلى قراءة الرواية لمعرفتها .
أما الطرقة المبدعة الثانية فقد تركزت في العنونة لأنها عنصر مهم في اكتشاف المغزى من كل رواية ومن أجل ذلك فقد جعل المؤلف عنوان الرواية الأولى ( مجامر الروث ) والثانية ( في قبو الدير ) والثالثة ( الحب في زمن التحولات ) وهي جملة اسمية تدل على ثبات الحب وديمومة الدير واستمرارية مجامر الروث و قد ترك الأولى تتألف من متبدأ و الثانية من خبر والثالثة من متبدأ تاركاً لك – عزيزي القارئ – أن تبحث عن الخبر للأولى لتكشف فكرة الرواية وهي ( مجامر الروث عاجزة عن إنبات الشجر العالي و المورق و المثمر) أما الثانية فقد أتم الجملة ( في قبو الدير مكتشفات مذهلة ) و الفكرة تقول تلك المكتشفات تقلب كل المقاييس في الحرب, أما الثالثة فهي الأعمق حين تصل إلى الخبر(الحب في زمن التحولات الشرفاء متحول عند اللؤماء ).
فيما يتعلق بالشخصيات تحدثت الكاتبة نهلة عبد الكريم الكدر, عن حرص المؤلف ملوك على التفصيلات الدقيقة في وصفها مما يجعلك عزيزي القارئ تتوهم بأنها شخصيات حقيقة لما يكشفه من خفايا عن زعماء المقاومة الوطنية في سورية و لبنان أو العراق أو عن أحد ممثلي الماسونية العالمية المكلفين بتجنيد عملاء لها من أولئك الزعماء .
و قد عرض الشخصيات بالطريقة المباشرة أو التحليلية معتمداً على صيغة الغائب التي تتيح التغلغل إلى أعماقها جاعلاً من الحوار في الرواية مساعداُ له على تشخيص طباعها و دفع الأحداث التي تجري لها الأمام , و قد بالغ المؤلف في تصوير انجرف بعضها في الحب او في الفساد أو المخدرات طعماً في المال أو المنصب مثل شخصية سارين مع أنها خريجة هندسة من عائلة دمشقية عريقة و التي انجرفت في المخدرات .
وشخصية "مزيد" المناضل اليساري الذي تزوج راقصة و تحول إلى حارس لها و الذي أدى بالأولى إلى السجن و الثاني إلى الموت على يد سكير معجب بها , كما برزت النظرة التعصبية حين صور " جويل " المسيحية التي تتاجر بجسدها طعماً بالمال بينما صور " خزامى " المسلمة مثالية و شريفة تقية و كذلك والدها الشيخ أحمد الأغبر التقي الشريف الملتزم بدينه و مسجده بينما جعل الكاهن ذا طموح سياسية تجعله يتزعم حزباً سياسياً يحاول أن يصل به إلى أعلى سلطة في العراق .
وقد تأكدت تلك النظرة التعصبية عند تصوير المكان حين جعل القبو في أحد أديرة العراق مستودعاً للذخيرة و مخدعاً للعلاقات المحرمة مع أن الأديرة في العراق وغير العراق كانت ولا تزال ملاجئ للهاربين من العنف أياً كان انتماؤهم و مراكز لتقديم المساعدات للمحتاجين منهم أو للإقامة النشاطات الراقية للترفيه والارتقاء بمن يشارك فيها أو يشاهدها إضافة إلى إقامة الصلوات والأمسيات الدينية .
مع أن الكاتب كان بارعاً في الانتقال السلس بين لبنان و سورية و العراق لكنه لم يكن موفقاً في إصراره على الوصف الرومانسي لبعضها في زمن الحرب و العنف مركزاً على شجر الليمون و النرجس و العصافير المتنقلة .
لكنه يتألق في الزمن حين يربط بين التاريخ و الواقع ليؤكد أن الأول تتكرر مشاهده في الثاني بسبب تخلف الشعب العربي وجهله واستهتاره بالقيم , كما فعل حين ربط بين سوق النخاسة في العهد العباسي ومسابقة انتخاب ملكات الجمال أو أحسن مغنية .
كما يبدع في اللغة حين يضمنها السخرية اللاذعة التي تجعلك تضحك من أعماق قلبك وأنت تذرف الدموع لأن " شر البلية ما يضحك" منها مثلاً وصول حلاق عادي إلى منصب نائب رئيس حزب معروف في الاتحاد القومي, وكان أول اقتراح له في أول اجتماع بعد تسلمه هو إزالة قلعة حمص لأنها تحجب الرياح الغربية المنعشة عن بيته و غيرها من المواقف الطريفة و هكذا أشجعك عزيزي القارئ على قراءة روايات المؤلف عبد الغني ملوك لتكتشف في الأولى الأديب الشاعر في قصيدته " مجامر الروث " و الباحث المحلل و الفيلسوف المعرّف للحب و الدين و السياسة و التاريخ مما يجعلك تندهش من سعة ثقافته و تنوعها و دقة معرفته بالديانات ز أيديولوجياتها و العقائد و تيّاراتها .
وفي الثانية تجد المؤلف المتعصب الذي يركز على دور الدير العسكري ودور كاهنه السياسي ويغفل تماماً الحديث عن المسجد رغم دوره المؤثر وتعظيم صفات الشيخ فيه, وفي الثالثة تستمع بالروائي المحترف المتقن لأدوات روايته والبارع في تحريك عناصرها .
و الخلاصة إذا كان الشعر ديوان العرب فالرواية هي التاريخ الحقيقي لهم الذي يكشف خفاياهم و مواطن قوتهم و ضعفهم و هي الكنوز الحقيقية للمعرفة .
وختمت الكاتبة نهلة عبد الكريم الكدر, بأنه علينا أن نقرأ ثلاثية روايات عبد الغني ملوك لتتسع معارفنا و ترتقي مشاعرنا وتدفعنا إلى تطلعاتنا .