فن وثقافة
«خيانة روحية في معبد الحب».. من رواية «عودة لوليتا»
سورية/ اعداد ومتابعة: لينا إبراهيم - مجد ابراهيم"لا شيءَ يُفقَد, لا شيءَ يولَد, الكُلُّ يتحوَّل" لافوازييه في هذا القول الذي ابتدأَ الكاتب عبد الغني ملوك روايتهُ بهِ يكمنُ سرُّ الرّواية, فبعدَ قراءتِي لأحداث الرّواية؛ وجدتُ أنَّها تدورُ حولَ موضوعٍ واحدٍ لهُ عشرةُ وجوهٍ؛ وهو "الخيانة".
الخيانةُ مُعتقدُ يتكوَّنُ في أذهانِنا, وهمٌ يتغذَّى على خوفنا من خسارةِ شخصٍ ما عزيزٍ على قلبِنا, وفي رواية "عودة لوليتا" عشرةُ وجوهٍ للخيانةِ سأذكرُها على النّحو الآتي:-
1) خيانةُ ناصر لوالدِهِ عندما غيَّرَ اختصاصَهُ في روما من الطّب إلى الفنون الجميلة: وهذهِ خيانةُ مشروعة؛ لأنَّها تنبعُ من رغبةٍ فطريّة في الذات البشريّة تسعى نحو التّطوّر الرّاقي بالذات, فموهبةُ ناصر في الرّسم أقوى وأرقى من الطّب الذي سيدرسُهُ مُجبراً مِن عادات المُجتمع وتقاليدِهِ، لكنَّ ابنهُ كذبَ عليهِ ودرسَ فنَّ الرّسمِ والتّصويرِ وعادَ خالي الوِفاض بعدَ أنْ أنفقَ مالَ أبيهِ في المَلذَّات المُحرَّمَة وغيرِ المُحَرَّمَة"، "يا للعار؛ ماتَ ولمْ يعرفْ الحقيقة, وظلَّ مخدوعاً".
2) خيانة ناديه مُعلِّمُهُ في الصَّفِ العاشرٍ لناصر؛ عندما تزوَّجَتْ رَجُلاً آخرَ غيرَهُ: وهذهِ خيانةٌ مشروعةٌ أيضاً؛ فناصر لا يزالُ صغيراً وهي تكبرُهُ بثمانيةِ أعوامٍ؛ فمن حقِّها ألَّا تتزوَّجَ طِفلاً, فالمَودَّةُ بينَهما كانت نابعةً عن اهتمامِ مُعلِّمةٍ بِتلميذِها لاجتهادِهِ وتشجيعِهِ على موهبتِهِ، "وانقلبَ الحُبُّ إلى كراهية, لأنَّنِي اعتبرتُ ذلكَ خيانةً, وقلتُ لنفسي: (انتظري يا ناديا؛ سأخونُكِ مع كُلِّ صبايا روما)".
3) خيانة ناصر لصديقِهِ الرَّسَّام العجوز في روما: عندما صرَّحَ ناصر بأنَّ صداقَتَهُ مع الرّسام كانت لِغايةِ المصلحة للاستفادةِ من خبرتِهِ: "تعرَّفْتُ على صديقٍ إيطاليٍّ, وهو رسَّامٌ عجوزٌ صادقتُهُ للاستفادةِ من خبرتِهِ".
4) خيانة ناصر لِصديقِهِ الرّسام العجوز الذي قضى مُنتحِراً على صدرِ لوليتا الإيطاليّة: عندما أخذَ مكانَهُ في ممارسةِ الحُبِّ معها, ورُغمَ أنَّ الشّهوةَ قتلتْ صديقَهُ؛ لكنَّها مصيرٌ حتميُّ عندما يتعلَّقُ الأمرُ بـ لوليتا المُدهشة: "في روما تعرَّفْتُ على لوليتّا المُدهشة النّاعمة اللعوب الشّهوانيّة بدرجةٍ شيطانيّة لا تُصدَّقُ, وأحببتُ أنْ أُمثِّلَ معها دورَ الرّسّامِ العجوز الذي قضى مُنتحِراً وهو على صدرِها يُمارِسُ الحُبَّ".
5) خيانةُ لوليتا الإيطاليّة لناصر؛ بعدَ أن عادَ إلى دِمشق: وذلكَ عدما انقطعَتْ أخبارُها عنهُ لفترةٍ طويلةٍ؛ فاعتبرَ ناصر هذهِ خيانةً لهُ وللحُبِّ بينهُما؛ ذلكَ الحُبُّ القائمُ على خيانةِ صديقِهِ الرّسّام.
6) خيانةُ لوليتّا الدّمشقيّة لناصر: عندما تزوَّجَتْ صديقَها وزميلَها في الجّامعة "سمير"،"اتصلْتُ بها, ردَّ عليَّ شخصٌ وقال: مَن تُريد؟
-أنا ناصر الدّرعاويّ أريدُ التّكلُّمَ من قمري المُلقَّبِ بـ لوليتا... -أنا زوجُها سمير, وقد تزوَّجنا منذُ أسبوعِ عَقِبَ عودتِها من وادي جَهنّم... دعها تعيشُ زمانَها يا أستاذ وأنتَ قد عِشتَ زمانَكَ, فلا تتعدَّ على زمنِ غيرِكَ.. ثمَّ أغلقَ في وجهيَ الهاتفَ".
7) خيانةُ والدِ ناصر لمُعتقداتِهِ ومبادِئِهِ: إذ كانَ يُمارِسُ طقوسَ التّصوُّفِ والعبادةِ؛ وفي الوقتِ ذاتهِ كانَ يعملُ لِكسبِ المالِ وجمعِ الثّروةِ, وهذه الخيانةُ مشروعةٌ لأنَّ مُتطلّبات الحياة تقتضي ذلك
-"أنا صديقُ أبيكَ, وكنتُ موظَّفاً عِندَهُ أمسكُ لهُ الحِسابات, ونسهرُ ليلةَ الخميس في المخدعِ المُلحقِ بالمكتبة؛ نُقيمُ شعائرَ التَّصوُّفِ, ونُمارِسُ طقوسَ الرَّقصِ الصّوفيِّ بغيةَ الحلولِ في المُطلَق..."
8- خيانة "عبد الرّحمن الدّهريّ" لصديقِهِ "والد ناصر" عندما صادقَهُ للاستفادةِ منهُ ولكسبِ ثقتِهِ والمصالحِ المُشتركةِ بينَهما، "لمْ أكن صوفيّاً بل جاريتُ والدَكَ في هوايتهِ لتمتينِ الصّداقةِ والثقة من أجلِ المصالح".
9) خيانة إخوة ناصر لهُ: عندما تقاسموا ميراثَ والدِهم بعدَ وفاتِهِ؛ ولم يتركوا لِناصر إلَّا القليل من المال، "لكنَّ إخوَتِي لم يتركوا لي الكثيرَ من الثروة.. -لقد خدعوك وأعطوك الفُتات..".
10) خيانة النّاس لِناصر عندما سقطَ أرضاً طالباً النّجدة, ولكن ما من مُجيب، "لا شكَّ أنَّنِي في حُلم, أو أنَّهُ قد أصابَنِي مَسٌّ مِنَ الجّنونِ, وضعتُ يدي على قلبي, اعتصرَ ألماً شديداً, ثمَّ فتحتُ بابَ المكتبةِ وألقيتُ بنفسي في وسط الشّارعِ رافعاً يدي طالباً النّجدة.. ولكن تُرى مَن سَيُنجدُنِي؟!".
• والكثير من الخياناتِ التي تُكرِّرُ نفسَها في صورٍ مُختلِفةٍ, تنقلبُ على أصحابِها كأفعى تبعثُ السُمَّ في شرايينِهم؛ فتموتُ الرّوحُ مِن شِدَّةِ الألمِ, وتنامُ إلى الأبدِ على سريرِ الانتقام.