بعد رحيله عن عالمنا.. القصة الكاملة للمبدع المتمرد ”شفيع شلبي” رائد الأعمال الوثائقية في مصر

رئيس مجلس الإدارة:محمود علىرئيس التحرير: شريف سليمان
ضبط 46 قطعة سلاح ومواد مخدرة فى حملة أمنية بأسيوط محمد مصطفى رئيسًا لاتحاد التايكوندو الزمالك يواجه أصحاب الجياد بدور الـ16 لبطولة كأس مصر لكرة السلة الحكومة السودانية تعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «الدعم السريع» 5 شهداء في غارة إسرائيلية على رومين جنوب لبنان الدفاع المدني اللبناني: جهود جبارة تبذل لاحتواء تداعيات العدوان على بيروت العاصفة «بيرت» تتسبب في تعطيل حركة السفر وانقطاع الكهرباء بأيرلندا وبريطانيا منع تداول عملات بقيمة 15 مليون جنيه فى السوق السوداء بحملات للأمن العام قرعة الحج في البحيرة: فوز 1407 مواطنين في قرعة حج الداخلية صحة سوهاج: إجراء 56 قسطرة قلبية بطهطا العام فى شهر الرقابة المالية تجيز إصدار وثائق تأمين نمطية جديدة يُسمح بتوزيعها إلكترونيا مصر تعزز من خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين

تقارير وتحقيقات

بعد رحيله عن عالمنا.. القصة الكاملة للمبدع المتمرد ”شفيع شلبي” رائد الأعمال الوثائقية في مصر

المخرج شفيع شلبي
المخرج شفيع شلبي

في الآونة الأخيرة ترددت الأخبار حول موت المخرج والمبدع شفيع شلبي ، ولكن قليل منا يعرف قصته ، طريق شاق طويل من النضال من أجل الحرية .

المخرج السينمائي المبدع شفيع شلبي، تاريخ من الدأب دفع حياته ثمنا لحبه لوطنه مصر، منذ بداية عمله في الإذاعة عبر برنامجه الإذاعي وادي النيل والذى اختار موسيقى أغنية محمد فوزي " بلدي أحبببتك يابلدي" مقدمة له، مرورا ببرامجه التليفزيونية ( سينما في علب ، الشارع المصري الذي قدم فيه مجموعة من الحلقات تعتبر جوهر العمل الوثائقي والذي تناول فيه القاهرة القديمة مثل شارع محمد علي والقلعة والمعز لدين الله الفاطمي وعمارة الشارع المصري ، والبيت العريشي والذي عرض فيه كل ما يمكنك معرفته عن سيناء بعد التحرير، وحتى عمله في الإخراج السينمائي فقد قدم ما يقرب من ألف فيلم، ورغم تاريخه الطويل والملئ بالانجازات إلا أنه تعرض لظلم كبير، حيث أنه لم يستفد الإعلام المصري حينذاك من قدراته ولم يلتفت أحد لمشروعه الثقافي التنويري حيث كان منشغلا بقضية محورية في حياته وهو تحرير الإعلام وطالب بإطلاق حرية إنشاء الإذاعات الأهلية ودعا إلى تأسيس نقابة للإعلاميين العاملين في الإذاعة والتليفزيون .

ولد المتمرد شفيع شلبي في 2 مايو عام 1947 ، وتخرج من كلية الزراعة عام 1967 ، ورحل المبدع المتمرد شفيع شلبي عن عالمنا في 13 يناير 2021 عن عمر ناهز 73 عاما.

عمل في الإخراج والكتابة والانتاج السينمائي والتلفزيوني، لم يكن لكل من يعرفه رجلا تقليديا حيث كان يذهب إلى مبني التلفزيون بملابس عادية على النقيض مع باقي المذيعين الذين كانوا يقدمون النشرات الإخبارية بنبرة رسمية مرتدين بدلات وكرفتات، كما كان يرفض لقب الإعلامي ويحب لقب مذيع حيث لم يكن مهتم بالألقاب الرسمية كما أنه أصر العمل بدون أجر لأنه يرى أن عمله رسالة لا يجب أن يؤجر عليها حتى لا يتملكه أحد وأن يكون حرا في قراراته ومواقفه .

وقال عنه الصحفي صلاح عيسى أنه " كان مذيعا لامعا في التلفزيون خلال الثمانينيات إلى أن تم تجميده بسبب تمرده الدائم على التعليمات وظلت قضية تجميده تشغل الصحف لسنوات.

توجه إلى العمل الخاص بعدما أغلقت جميع الأبواب في وجهه وقام بتدشين المركز العربي للأفلام الوئائقية، الذي امتلك من خلاله تراثا من الحوارات التي ساهمت في الحفاظ على ذاكرة الثقافة المصرية كما أسس قناة على اليوتيوب باسمه تبث أفلام تسجيلية متنوعة منها " العيد في الصعيد ، الشارع المصري عبر التاريخ، شفيع شلبي في قلب الشارع المصري.

المبدع شفيع شلبي كان واحدا من ضحايا القرارات التي أصدرها السادات عام 1981 ، فقام السادات باعتقاله ضمن مجموعة كبيرة من الاعتقالات السافرة بالتزامن مع اتفاقية كامب ديفيد والتي أثارت سخطا في عموم مصر، وأوحى للرأي العام حينذاك أن الاعتقالات استهدفت حظر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، وأنه قام بالتحفظ على بعض الأشخاص المشاركين في " تهديد سلامة الوطن باستغلال الأحداث الجارية وقتها والتي قام على إثرها باعتقال 1536 من رموز المعارضة، كما تضمنت القرارات نقل بعض أعضاء هيئة التدريس والجامعات وعدد من الصحفيين والإذاعيين، وكان من ضمن أعضاء التدريس الذين تم نقلهم د. أمينة رشيد أستاذ الأدب الفرنسي جامعة القاهرة، ود. عواطف عبد الرحمن أستاذ بكلية الإعلام ، وتقرر نقل 67 صحفيا وإذاعيا إلى هيئة الاستعلامات وكان من بينهم شفيع عبد الرحمن شلبي، وطاهر أبو زيد وصلاح زكي والمخرج يوسف مرزوق وضمت قائمة الصحفيين النقاد سمير فريد وسامي السلاموني، والكتاب فهمي هويدي ، مصطفى بهجت بدوي، محمد سلماوي والكثيرين من رواد الأدب حينذاك، ومن الشخصيات العامة الصحفي محمد حسنين هيكل وفتحي رضوان وزير الإرشاد القومي في عهد جمال عبد الناصر وعمر التلمساني مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والزعيم الوفدي فؤاد سراج الدين، وعبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية والشيخ عبد الحميد كشك والشيخ أحمد المحلاوي رئيس جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكثيرين ممن لديهم قدرة تأثير على الرأي العام وقتها حتى أن الإعتقالات شملت بعض القساوسة منهم الأنبا بنيامين والأنبا بيشوي والأنبا ويصا والأنبا بيمن والمفكر القبطي د. ميلاد حنا، مع تحديد إقامة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية.

وصنف السادات المعتقلين في خطابه وقتها بأنهم 469 جماعة تكفير وهجرة، و 235 جماعة إسلامية، و100 تطرف ديني و 259 مثيرا للتعصب و 107 قيادات مسيحية وتعصبة ومتطرفة، و 240 مثيرا للشغب 57 متهما في حوادث الزاوية الحمراء، و36 من الأحزاب التي أطلق عليها الأحزاب المناهضة، هذا بالإضافة إلى 12 بتهمة التخابر مع السوفييت.

وضمن الروايات التي حكى عنها الصحفي مكرم محمد أحمد خلال زيارة السادات للولايات المتحدة الأمريكية " أثناء زيارته للولايات المتحدة دعانا الرئيس السادات لاجتماع وأفصح عن الاجراءات الاستثنائية التي يريد اتخاذها وطلب من كل واحد فينا أن يكتب أسماء من يريد اعتقالهم، وطلب مني بالتحديد أن أشن حملة صحفية ضد محمد حسنين هيكل، ولكني رفضت قائلا" موسي صبري لديه تاريخ طويل من الصراع مع هيكل أما أنا إذا قمت بحملة ضده فلن يصدقني أحد ولكنه غضب بشدة وقال لنا اجلسوا مع النبوي اسماعيل ( نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية لكي يتحدث كل واحد عن خصومه ليكونوا ضمن المتحفظ عليهم، وكان وزير الإعلام وقتها ضد هذه الإجراءات الاستثنائية، وطلب منى أن أكتب أسماء صحفيين بيني وبينهم خلاف ، وكان ضمن من اعترضت على اعتقالهم هم عمر التلمساني والشيخ كشك وعدد من السياسيين.

وكان المبدع شفيع شلبي من المغضوب عليهم من صفوت الشريف بسبب مواقفه وآرائه، حتى أطلق عليه لقب "طريد الشاشة" حيث توعد الشريف كل من يفكر فيه أو يتعاطف معه للدرجة التي جعلت الإعلاميين يخشون الاقتراب من ظله، ولكنه عاد للشاشة من جديد بعد سقوط القرارات الساداتية في سبتمبر وذلك بناء على مبادرة من مديحة كمال رئيس القناة الثانية، وعندما عاد إلى الشاشة وزال عنه لقب " طريد الشاشة" رافقه لقب آخر وهو " المسنود" حيث كات مديحة كمال، رئيس القناة الثانية التي آمنت بموهبته تحميه وهيأت له الظروف التي تكفل له حرية الحركة والقرار، وامتلاك نفس الامكانيات الممنوحة للعاملين في القناة الثانية وقطاع التلفزيون من حجز كاميرات وساعات مونتاج ووقت محدد على خريطة البث، ورغم أنه كان من الممكن أن يجلس في استديو مكيف آثر "الصعب" كعادته وانطلق إلى محافظات مصر، ليرصد هموم المواطنين، وكانت بداية عمله بعد عودته من سيناء بعد تحريرها ورصد واقعها وما ينقصها وما يعاني منه مواطنيها وخيراتها وكشف من خلال برنامجه " البيت العريشي" عن البيئة السيناوية واستعرض فيها بانوراما " أرض الفيروز" وأطلال " ياميت" وهي قرية سيناوية بين مدينتي رفح والعريش والتي كانت ضمن الأراضي التي احتلتها إسرائيل واستمرت هذه الجولة ثمانية أيام، وقام بعمل حوار مع محافظ شمال سيناء وقتها اللواء منير شاش، ثم اللواء مجدي سليمان محافظ جنوب سيناء وكان حواره مع المحافظ فيه صداما ومواجهة كبيرة والتي كانت في عرف المبدع شفيع شلبي " لحظة الصدام الوشيك"، وأذيعت الحلقات بعد عودته من سيناء وكان لها مردود كبير حيث أن حلقاته قدمت جانبا مجهولا من الحياة في سيناء، وبعد إذاعة الحلقات عرف جميع المسئولين وقتها أن مديحة كمال وضعت ثقتها في شخصية تتمتع بكفاءة هائلة وقدرة كبيرة على تحمل المسئولية،وكان التليفزيون يتحمل كل النفقات ولم يوافق شفيع شلبي أن يدفع أهل سيناء مليما في استضافة فريق العمل، وكان يصطحب معه مندوب إنتاج وكان ذلك من أجل الاستقلالية وليكون ندا للمحافظ ويكون الحوار حر إلى أبعد مدى.

وانتقل بعدها إلى دمياط والتقى بالحرفيين وناقش معهم مشاكل صناعة الأثاث الرائجة في دمياط، والتي أسهمت حلقاته عن دمياط في تصحيح صورتها بأن " لا أحد عاطل في دمياط" ثم ذهب إلى بورسعيد ورصد المخاطر الصحية والبيئية التي تعرضت لها بعض الأحياء في بورسعيد، واستشاط محافظ بورسعيد وقتها وهو اللواء عبد الرحمن الفرماوي غضبا بعد علمه بتصوير مشاكل بورسعيد من قبل فريق برنامج شفيع شلبي، وطلب من شفيع شلبي بتسليمه الشرائط المصورة ولكن شفيع شلبي رفض رفضا بات وتكررت المطالب ولكنه تشبث برأيه ونجح الفريق في الوصول إلى القاهرة بعد مناوشات كثيرة تعرض لها ، ولكن لحظة دخول الفريق للتلفزيون طلب أحد قيادات الأمن منه تسليم الشرائط وكالعادة رفض قائلا " إن هذه الشرائط عهدة ويجب أن تذهب إلى مكتبة التليفزيون، لكن في صباح اليوم التالي كانت سامية صادق رئيس التلفزيون قد أصدرت قرارها بإيقافه عن العمل،وانتهى عمله في التلفزيون ، وقرر بعدها إنشاء " المركز العربي للإنتاج الوثائقي حيث تم تفريغ الشرائط التي صورها مع كبار الأدباء والمفكرين مثل : د. لويس عوض، نجيب محفوظ، د. زكي نجيب محمود، شيخ المعماريين حسن فتحي ود ، ويوسف إدريس.

كان شفيع شلبي لديه طاقة كبيرة، مصحوبة بإرادة قوية، وكان لديه أحدث التقنيات العالمية وقتها من أجهزة تسجيل وآلات تصوير وهواتف كان يختارها صغيرة الحجم، لتسهل عليه مهمته ، ولم يكن يفرط بسهولة في ما يملك، خصوصا الشرائط المصورة، حتلى أنه خصص غرفة بأكملها بالمركز العربي للإنتاج الوثائقي كمكتبة للشرائط، حتى إنشائه لقناته على موقع يوتيوب والتي تبث أفلام تسجيلية متنوعة.

عاش المبدع المتمرد شفيع شلبي حياته في خدمة وطنه ومجتمعه، عانى كثيرا بسبب تمسكه بمبادئه، ولن ينسى التاريخ نضاله ومشواره الملئ بالكنوز الوثائقية، التي أثرت الثقافة والأغلام في مصر، مشوار يستحق الدراسة، رحم الله المبدع شفيع شلبي.