مقالات
نبيل صافية يكتب: الحرب الباردة بين الإمارات والسّعودية
بقلم/ نبيل صافيةقد يعتقد كثيرون أنّ الخلاف الإماراتي السّعوديّ حديث ، أو هو وليد السّاعة ، ولكنّ ذلك غير صحيح ، فقد كانت هناك حرب باردة بينهما تشوبها لحظات هدوء تارةً ، ولحظات تتأجّج فيها تَبَعاً للمصالح التي قد تجمع بينهما ، وقد بدأت الحرب الباردة بينهما منذ عام ألف وتسعمئة وأربعٍ وسبعين .
وظهر بصورة جليّة منذ عام ألفين وتسعة وما بعد ، وتجلّى في الاتّفاق الإماراتي الإسرائيليّ وموقفهما من إيران والملفّ النّووي الإيرانيّ وموقفهما من حركة حماس والمصالحة السّعوديّة القطريّة بعد حالة الحصار لقطر منذ عام ألفين وسبعة عشر ، رغم الاتّفاق بينهما في حرب اليمن ، ولكنّ الآن أخذت بعداً جديداً بعد التّصريحات التي تبادلها وزير الطّاقة في البلدين ، وهي المتعلّقة باتّفاقية منظّمة الدّول المصدّرة للنّفط ( أوبك ) .
وقد ذكر وزير الطّاقة الإماراتي السّيّد سهيل المزروعي : " إنّ مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتّفاقية الجديدة ما بعد إبريل ، وهذا حقّنا السّياديّ أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدّول " ، وكان ذلك بعد فشل المحادثات حول موضوع حصص الإنتاج لدول المنظّمة ، ورفض الإمارات لاتّفاق يجري إعداده والتّفاوض حوله بين أعضاء دول المنظّمة ( أوبك ) باعتباره غير عادل بتصدير النّفط وحصص الإنتاج من وجهة نظرها ، واعتراضها على تمديد تخفيض الإنتاج لثمانية أشهر قادمة .
فيما دعا وزير الطّاقة السّعوديّ الأمير عبد العزيز بن سلمان للتّوصّل إلى اتّفاق عبر التّنازل والعقلانيّة من الجانب الإماراتيّ ، وسيكون لذلك الخلاف أبعاده بعد تأجيل الاجتماع الذي كان مقرَّراً الإثنين الماضي لوقت لم يتمّ تحديده ، ولاحظنا الارتفاع في أسعار النّفط ، ووقف رحلات الطّيران بين البلدين ، وربّما تأخذ السّاعات القادمة بُعداً جديداً لكنّه لن يصل لقطع العلاقات الدّبلوماسيّة ، وقد يؤدّي تصاعد الخلاف إلى عدم استقرار اقتصاديّ عالميّ .
ولنتساءل : ما العواقب الاقتصاديّة النّاجمة عن الخلاف بين الدّولتين ؟!. وهنا لا يمكن لمرء عندما يتحدّث عن حرب أنّه يقصد إطلاق صواريخ أو أيّ نوع من أنواع الأسلحة المدمّرة ، ولكنْ تتنوّع الحروب تَبَعاً لاستخدام ذلك النّوع في السّياسة بمختلف أنواعها ، وكذلك الحال ضمن إطار السّياسة الإعلاميّة بين الدّول تَبَعاً لاختلاف سياسة المصالح التي ترسم معالم تلك الحرب ، ولعلّ من جملة العواقب الاقتصاديّة _ كما ذكرت قبل قليل _ عدم استقرار اقتصاديّ عالميّ ، و المزيد من الارتفاع في أسعار النّفط ( الذّهب الأسود ) .
كما لاحظنا بعض الإجراءات السّعوديّة في خطوة يمكن أن نعدّها حالة تحدّ للإمارات بتعديل قواعد الاستيراد مع دول مجلس التّعاون الخليجيّ لتستبعد السّلع المنتجة في المناطق الحرّة أو التي تستخدم مكوّنات إسرائيليّة من الامتيازات الجمركيّة التّفضيليّة ، كون الإمارات مركزاً تجاريّاً إقليميّاً ، وقد تسعى الإمارات للانسحاب من منظّمة أوبك ، وإن كنت أستبعد ذلك .
ولو تساءلنا :هل هناك إمكانيّة توسيع الخلافات بينهما إلى الشّؤون السّياسيّة والدّبلوماسيّة ؟َ. فالخلاف برأيي سياسيّ أكثر منه اقتصاديّ ، وهناك خلاف بينهما في السّياسة الاقتصاديّة والسّياحيّة والسّياسة العامة التي بدأت المملكة السّعوديّة تعتمدها في حالة الانفتاح السّعوديّ ، ورأينا أيضاً انسحاب الإمارات من الحرب على اليمن _ وكما ذكرت قبل قليل _ لن يصل الصّراع أو الخلاف لحالة قطع العلاقات الدّبلوماسيّة بين الحكومتين أو الدّولتين .
وأعتقد أنّ الخلاف قديم بينهما حول اليمن رغم اتّفاق المصالح إلى حدّ ما من تلك الحرب على اليمن ، ورغم تأكيد وزير الدّولة الإماراتي للشّؤون الخارجية أنور قرقاش أنّ " التّحالف السّعوديّ الإماراتيّ ضرورة استراتيجيّة في ظلّ التّحدّيات المحيطة " ، ولعلّ الأيام القادمة ستظهر حالة انقسام جديدة بينهما وتوقّف لتلك الشّراكة في الحرب على اليمن وهي قد بدأت فعلاً عام ألفين وتسعة عشر على أنّه انسحاب تكتيكيّ ، وهذا يشير إلى أنّ تلك الشّراكة بُنيَت أساساً على مصالح نفعيّة آنية وليست استراتيجيّة .
وبرأيي : إنّ الخلاف لن يستمرّ طويلاً بين الدّولتين ، وسرعان ما يعود الطّرفان للاتّفاق رغم استمرار الحرب الباردة بينهما ، ولننتظر قادم الأيّام وما ستحمله للمنطقة في ضوء المتغيّرات السّياسيّة والاقتصاديّة القادمة ، وتكوّن عالم جديد ضمن مرحلة ما بعد كورونا ، وربّما تشهد الأيّام القادمة صراعاتٍ جديدةً بينهما في طرق أبواب دمشق ، فلنتظر ونترقّب ما ستأتي به الأيّام .