مقالات
رُبا شاهين تكتب: تطورات الشمال السوري وفق المنظور السياسي المؤطر عسكرياً
بقلم: رُبا شاهينمنذ انعقاد اجتماعات ما يُسمى لجنة مناقشة الدستور في 2015، وعندما كانت الحرب على سوريا في أوج اشتعالها، حيث لاحظنا كم الاعتراضات والتأجيلات التي رافقت التصريحات من قبل المبعوثين الأمميين، وكثيرا ما كان ينبع الاختلاف، من كيفية وإمكانية تنفيذ بنود قرارات مجلس الأمن الخاصة بالملف السوري، ليتم تحديد صيغة حوارية، تتوافق والأسس التي وضعتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لجهة تنفيذ بنود القرار 2245، الذي يضمن السيادة الكاملة للدولة السورية، على كافة أراضيها، إلا أن وفد المعارضة، جنباً إلى جنب مع من تعاقب على رئاسة جولات مؤتمرات جنيف، من دي مي ستورا، وصولاً إلى غير بيدرسون، جميعهم أثبتوا أن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق "بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة أراضيها"و "الإرهاب والتطرف"، لايمكن أن تكون لصالح القيادة السورية والشعب السوري بنسبة مئة بالمئة، فما زالت الحرب الإرهابية قائمة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا .
وما زالت المجموعات الإرهابية ومموليها، يتمركزون في نقاط مراقبة تابعة لجيوشهم المحتلة، وما زالت قضية المفقودين والمعتقلين وقضية اللاجئين وملف المساعدات الإنسانية، على جدول أعمال المؤتمر. وفي ذات السياق، ما زالت الولايات المتحدة تتذرع بمحاربة داعش، ولمدة عشر سنوات في سوريا والعراق، وتتخذ من الكرد السوريين ذريعة لصنع طاولة مفاوضات سياسية، تتوزع على مقاعدها جماعات خاصة بالصراع السياسي والايديولوجي، وتتقاسم أمريكا وتركيا مسألة الغيرة السياسية والشخصية من القائد الأسد، في ثباته ومقدرته على مواجهة حرب إرهابية كونية، لو وقعت في أقوى الدول الاقتصادية والعسكرية لدمرتها.
بالتوازي مع الملف السياسي، يأتي الملف العسكري، لجهة التعاطي مع الأجزاء المحتلة من الشمال السوري، حيث تعمدت الجهات الغربية وضمناً بعض أطياف المعارضة السورية، تعقيد الحل في سوريا، بشقيه السياسي والعسكري، وبدت التعقيدات واضحة من تصريحات المبعوث الأممي غير بيدرسون، حيال فشل المفاوضات بين الجانبين "وفد الحكومة ووفد المعارضة". وهنا تتزاحم التساؤلات، لجهة ما يُسمون انفسهم "بالمعارضة"، ولسان حالهم بالخفاء يقول نحن معارضة نتسلح بأموال واشنطن وحلفاؤها ونعمل لأجل مصلحتنا.
ومن هنا، ومع إعلان النظام التركي نيته القيام بعملية عسكرية ضد قسدفي ريف حلب، محولاً الأنظار إلى المنطقة الوحيدة الواقعة غرب الفرات، والتي لا تزال بيد قسد، ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي نهاية الشهر الماضي، لاستكمال الاتفاق الموقع في الخامس من أذار 2020، والذي يتضمن سحب المسلحين وفتح طريق M4 ، إلا أن أردوغان يحاول اللعب على إجبار موسكو تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق 22 من تشرين الأول 2019، الموقع في سوتشي حول عملية "نبع السلام"، والذي ينص البند السادس منه على انسحاب المقاتلين الأكراد من نطاق تل رفعت ومنبج وغرب الفرات.
ولذلك بدأ النظام التركي باستقدام ٱليات عسكرية لمراكز ونقاط المراقبة الموجودة ضمن إدلب، تمهيدا لتحقيق مكاسب خاصة تتدرج وفق ما يلي:
أولاً: الظهور أمام المجتمع التركي والعالم بأنه يحقق انجازات على الأرض السورية رغم التوترات والصراعات الحاصلة ضمن مجتمعه العسكري وحتى فصائله الإرهابية.
ثانياً: الضغط على روسيا لاستكمال مشروعه العثماني بضم مناطق من شمال سورية.
ثالثاً: يحاول المقايضة على طريق M4 بحيث لا يبدو انسحابه هزيمة بل إنجازا يضاف لعملية "درع الفرات" و"نبع السلام".
رابعاً: يعتقد أردوغان أن عملية عسكرية في تل رفعت أو منبج أو حتى عين عيسى ستعيد له شعبيته في الداخل التركي، الأمر الذي يؤهله لاستثمار هذا النجاح في الجانبين الداخلي والخارجي.
في المحصلة، ما يجري من مباحثات أو مفاوضات أو جولات سياسية أو عسكرية، لأجل إنهاء الحرب الإرهابية على سوريا، وإن اصطدمت بالمتغيرات والمعوقات التي تفرضها أجندات خاصة بقوى هي شريكة أساسية فيها، إلا أن الدولة السورية بالتعاون مع الحلفاء، عازمون على استكمال العمل وفق الحل السياسي، الذي تكفل تنفيذه القوانين والمواثيق الدولية، بالتوازي مع التحرك العسكري للقضاء على المجموعات الإرهابية، واستعادة كل شبر من سورية، وفق ما ترتضيه القيادة السورية والشعب السوري، فالكلمة الفصل لمن يعيش على هذه الأرض، وليس لمحتل غاصب يرتدي متى شاء ثوب السياسة المتلونة.