مقالات
0
المثقفون العرب في مأزقهم التاريخي
بقلم الدكتور/ سمير الخطيبعمل الغرب الرأسمالي على ترويج الديمقراطية في المجتمعات النامية والمتخلفه وحاول ترسيخها في أذهان شعوب المجتمعات الاشتراكية بقصد ضربها وتفتيتها حيث نجح الغرب مؤخرا بإسقاط عدد من الأنظمة الواحد تلو الآخر ك أحجار الدمنو التي تهاوت خلف بعضها البعض فعلى عكس البشر المجتمعات العربية تتقدم إلى الخلف والسبب الرئيسي لتخلفها انتشار الفكر الأصولي المتزمت بشكل كبير والذي أغرق المجتمعات العربية والاسلامية في بحر التقليد الاعمى والخرافات وأكثر مايؤسفني أن يقوم بعض المثقفين العرب بتسويق الكثير من الأمور التي لاتمت لا للعروبة ولا للاسلام بأي صلة هؤلاء هم اسوأ أنواع المرتزقة على الاطلاق وتجارتهم رائجة كونهم خارج الحساب على الأقل مرحلياً .
عندما تدرك كيف يفكر أعداؤك تستطيع أن تنتصر أو في الحد الأدنى أن تخفف من حجم الهزيمة يقول عرَّاب ونبي الرَّبيع العربي الصهيوني برنار هنري ليفي : ( الربيعيُّون هم لعبتنا والحكومات الإنتقالية العربية الجديدة أدواتنا الحالية والربيع العربي هو حصان طروادة للتعجيل بالنهاية لتحقيق مشروعنا التوراتي وستكون شعوب الربيع العربي وقوداً لحروبنا القادمة ودمشق كعب أخيل للسيطرة النهائية على الجغرافيا العربية لنصل إلى طهران معقل الشَّر لنجُرَّ الرُّوس والصينيين لأول مرَّة إلى مواجهة فاصلة معنا ستكون نهايتهما الحتمية على أيدينا لنتمكن من سحق الشعوب الشريرة والحكومات المارقة لكي ننجز أمبراطوريتنا التي انتظرها شعب الله المختار آلاف السنين ) .
بهذه العقلية الديكتاتورية الحاقدة يقدم المفكرون الغربيّون و الصهاينة أفكارهم ومشاريعهم بعد أن درسوا واقع هذه الأمة وأدركوا أن الحضارة العربية الإسلامية سقطت وانتهت مرحلياً بموت الفلسفة وتكفير الفلاسفة لأن الأصولية الدينية تزعم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة المقدسّة بين أيديها في الوقت الذي فشلت الأنظمة في العالم العربي في بناء علاقة بين المجتمع والنظام السياسي على أساس المواطنة فهي أنظمة أسيرة للطائفية أوالمذهبية أو الحزبية الضيقة وبالتالي يتم تصنيف المجتمع فيها على مبدأ ( مع أو ضد ) الأمر الذي عرقل ومنع إنتاج ثقافة وطنية متينة ترتكز على أسس اجتماعية وأخلاقية وعزز هذه الحالة الإنقسام الحاصل بين المثقف الديني والمثقف العلماني لأن الصراع بدا ظاهراً بين الماضي والحاضر الأمر الذي خلق جدلاً كبيراً في قضية الدين والدولة وبكل أسف لم نرَ في الوطن العربي مثقفين اجتهدوا لكسر الهوة بين التراث والحداثة بل على العكس من ذلك ظهر لدينا فرز جديد وانقسام أعمق إضافة للصراع بين المثقف العلماني والمثقف الإسلامي ظهر صراع بين المثقفين الإسلاميين أنفسهم على إدراة الدولة وهويتها الأمر الذي جعل المثقف الداعية في الصدارة على حساب المثقف العلماني تحت ضغط التكفير والعنف أضف إلى ذلك تقدُّم ثقافة الترويج والاستهلاك على ثقافة الابتكار والإبداع من حيث سرعة القبول والتسليم وكمية المنتج وقلة الجهد .
لقد أفرز الربيع الدموي ظاهرة في غاية الخطورة وهي موت المثقف العربي ودخول المجتمعات العربية في فراغ ثقافي ومعرفي سيكون له أثر كارثي مالم يُحدث تغيير جذري في العقليَّة العربيَّة يمكِّنها من صنع الفعل الخلّاق والإدارة الحكيمة فيما يتعلق بها وبمحيطها العالمي .
بالتأكيد هناك تحولات كبيرة في مختلف جوانب الحياة كان لها أثرٌ كبيرٌ على الفعل الثقافي العالمي والعربي الأمر الذي فرض على المنطقة مواجهة العديد من التحديات التي قلّصت دور المثقف وجعلته أقل تأثيراً في الأحداث الحاصلة بشكل سريع ومتواتر فلا نظرياتهم وإيديولوجياتهم استطاعت أن تصمد في وجه الفاعلين الإجتماعيين ولا العرب توحدوا ولا الديكتاتوريات تراجعت ولا العلمانية فرضت نفسها بل على العكس تماماً اجتاحت الأصولية مساحات واسعة من الفكر وفرضت نفسها على الأرض كقوة متمردة ورافضة لكل ما هو خارج إطار الموروث الديني.
للأسف الغالبية العظمى من المثقفين العرب التحقوا بالدور الوظيفي وأسوأ ما فعله أغلبهم هو التمترس خلف أفكارهم و حكامهم ومموليهم و فعلهم الثقافي كان مدمراً وغير موضوعي و بصراحة احتاجوا لمن يرعاهم أكثر من رعايتهم للشعب لأن المثقف الحقيقي لايتبنى ولا يدافع عن جماعة أو طائفة أو حزب دون وجه حق، وأنا أدرك أن التعصب أمرٌ متاح ومردوده الشعبي والمادي قد يكون أكبر بكثير من محاربة التعصب فالحقيقة وحدها تحتاج إلى مجهود إضافي لإثباتها ، والانتصار الحقيقي للمثقف يقاس بمدى قدرة الشخص على مراجعة الذات وقبول التحدي في مواجهة العصبيات بمختلف أشكالها، ومن قال أن أفكار النخب المثقفة هي ملكهم وحدهم ؟ .
لقد فتح الربيع العربي باب الخلاف على مصراعيه بين الأصوليين الظلاميين وبين المثقفين و القاعدة تقول : ( ليس كل متدين ظلامي ولاكل مستنير أخلاقي ) والمشكلة ليست مع هؤلاء وإنما في الإسلام السياسي الذي يتخذ من الدين وسيلة للاستيلاء على السلطة والعودة بتلك الأوطان الى عصور الجاهلية، وجوهر القضية يكمن في الحقد والتكفير والإنتقام وليس في الفهم والوعي وقبول الآخر، إنها معركة فكر فتحديث العقول وتنويرها يحتاج إلى وقت طويل لأننا نتحدث عن موروثات مشبعة بالإنحطاط والإنغلاق الفكري ومن ينتصر فيها يربح كل شيء، فلا ثورة سياسية دون ثورة تنويرية ولا ثورة تنويرية دون مثقفين حكماء وشجعان امتلكوا الإرادة ورفضوا تصنيفهم بين مثقف للسلطة ومثقف مضطهد من السلطة وآخر التحق بالثقافة النقدية كمخرج للهروب من الواقع، وعليهم أن يخرجوا للشعب ويقدموا فلسفة مختلفة تتناسب مع خصوصية وظروف كل دولة فطالما أن العقل البشري واحد والفلسفة العلمية العقلانية واحدة عند جميع البشر فالله وهبنا العقل لنشغِّله كنخب بعيدين عن الإيدلوجية باعتبارها مجموعة جامدة من الأفكار تعيق العقل الإنساني كما وصفها مورتون وايت استاذ الفلسلفة في جامعة هارفورد.
و من خلال قراءاتي على مدى سنوات طويلة لعدد كبير من الفلاسفة العرب واليونانيين لم أسمع أنه شُرِّد أو قتل أحد من البشر بسبب فكر سقراط أو أرسطو أو أفلاطون بل على العكس تماماً لقد تم قتل سقراط الفيلسوف بينما قُتِل مئات الآلاف من البشر بفتاوى ابن تيميه وسيد قطب ومحمد بن عبد الوهاب وأمثالهم .
لقد قدّم عدد كبير من المثقفين أفكاراً جديدة عبر التاريخ شكَّلت نواةً حقيقية منحت الأجيال حياة أفضل، والعالم فيه من الشواهد الكثير فعلى سبيل المثال لا الحصر دفع إبراهام لينكولِن حياته ثمناً لمواجهتة التمييز العنصري و إلغائه قانون الرُّق عام 1865، وكذلك مارتن لوثر كينغ دفع حياته ومات اغتيالاً ثمناً لنضاله ضد العنصرية .
إن ما يحصل في الوطن العربي معركة مصيرية رغم ضراوتها وخسائرها المروعة قد تكون نقطة تحول من أجل تحرير الوعي العربي الإسلامي من الإنغلاقات المذهبية والطائفية وعلى رجال الثقافة من كل الإختصاصات الفلسلفية أن يبدأوا معركتهم الفكرية فنحن اليوم بحاجة لإنتاج وصياغة فلسفة جديدة تنقذ أمتنا العربية من واقعها المذري فهل أنتم على مستوى القضية أخشى أن يستفيق أهل الكهف وأنتم نائمون .