مقالات
الدكتورة نادية مصطفى تكتب: زيارة ماكرون للسعودية و واقع لبنان المظلم .!!
بقلم: د . نادية مصطفىلا اتصور انه في ظل واقع لبناني مظلم ومأزوم وبالغ التعقيد الي حد يكاد يكون ميئوسا منه ، واقع بائس ومثقل بهموم ومشكلات وازمات داخلية وخارجية لا اول لها ولا آخر، تاتي زيارة دبلوماسية مكوكية خاطفة يغلب عليها طابع التسرع والارتجال والافتقار الي الاعداد الجيد ، للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الي السعودية لتتوصل مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الي صيغة واقعية للحل الذي ينقذ لبنان مما هو فيه ، كل هذا ، كما نعلم ، في لقاء عابر لم يستغرق سوي بضع ساعات راح معظمها في مراسم بروتوكولية شكلية علي نحو ما تابعناه وقتها عبر وسائل الاعلام... لنفاجأ بعدها بخروج ماكرون علي العالم بتصريحات تعكس تفاؤله حول مستقبل الاوضاع في لبنان كنتيجة لهذا التنسيق الفرنسي السعودي جريا علي عادته التي درج عليها..
ومن ناحيتي لا اعرف كيف سيتم اصلاح كل هذه البني التحتية المدمرة ، وكذلك مؤسسات الحكم الفاسدة والمعطلة في لبنان ، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها وتلك هي معضلة المعضلات واس البلاء كله ، وتنقية الحياة السياسية في هذا البلد العربي الصغير من كل هذا التلوث الذي اصابها واوصلها عبر سنوات طويلة من الممارسات الخاطئة وغير المسئولة الي هذه الحالة المزرية من العجز والفشل ، وجعل كل اصدقاء لبنان داخل المنطقة العربية وخارجها يبتعدون عنه ، ويحجمون عن مساعدته الي ان تنصلح اوضاعه ، الامر الذي طال انتظارهم له دون جدوي...
وتجئ زيارة ماكرون للسعودية لتثير العديد من التساؤلات المهمة التي تفرضها طبيعة الأوضاع الراهنة في لبنان ، ومنها :-
هل توافق ماكرون مع بن سلمان قبل اتصالهما الذي اجرياه مع رئيس الحكَمة اللبنانية نجيب ميقاتي علي عناصر هذا البرنامج الاصلاحي الشامل بتوقيتاته واولوياته وآلياته وكيفية تنفيذه, حتي يعرف الرجل ما يريده الطرفان الفرنسي والسعودي منه كشرط مسبق منهما لاستئنافهما تقديم الدعم الاقتصادي الضروري لبلده؟
وهل من الواقعي ان يكلفانه بهذه المهمة شبه المستحيلة وهو من يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه بعد ان توقفت حكومة الانقاذ التي جاء بها بعد شهور طويلة من الفراغ السياسي، عن عقد اجتماعاتها لما يقرب من شهرين الآن، بسبب مقاطعة وزراء حزب الله وحركة امل لاجتماعاتها استنادا الي الحجج والذرائع التي نعرفها ، وهو ما يضعه ويضع لبنان كله معه في مهب الريح، الامر الذي يمكن ان يعجل بسقوطه ورحيله من موقعه ، وليسقط لبنان بعدها في دوامة الفراغ السياسي من جديد ؟
وهل تصور ماكرون وبن سلمان ان بمقدور ميقاتي ان ينفذ مثل هذا البرنامج الاصلاحي وحده وعلي مسئوليته ولبنان علي مشارف انتخابات نيابية ورئاسية بعد ثلاثة شهور من الآن؟ والم يتصور الرجلان انهما بما يطالبانه به ، يضعان له العقدة في المنشار كما يقولون ، حتي يجدوا لانفسيهم المبرر للاستمرار في حبس مساعداتهم الاقتصادية للبنان ، طالما بقيت الاوضاع السياسية في لبنان علي حالها ولم تجد طريقها الي التغيير الجذري الذي يرضي عنه الفرنسيون والسعوديون ومعهم باقي شركائهم الخليجيين ؟
واخذا في الاعتبار استحالة انجاز المهمة التي اوكلوها الي رئيس الحكومة اللبنانية رغم تاكدهم بعجزه التام عن تنفيذه لكل المعوقات التي تقف في طريقه وتسده عليه من كل اتجاه ، فاني ابقي علي اقتناعي بان نتائج هذا اللقاء الفرنسي السعودي ليست ولا يمكن ان تكون بمستوي ما تم الاعلان عنه وجري التهليل له والمبالغة في تصويره في وسائل الاعلام العربية والدولية... فالواقع اللبناني من السوء والانهيار بما يتجاوز هذا كله.
وفي النهاية أعود واقول انه كان احري بالرئيس الفرنسي الذي يبدو طول الوقت لنا كالملاح او كالربان التائه الذي لا يعرف كيف يضبط بوصلته السياسية الخارجية في الاتجاه الصحيح ، ان يقدم لنا دليلا واحدا يشهد له بجدوي جهوده وتحركاته ومبادراته التي لا يكف عن اطلاقها بلا عائد يذكر لها ، وهو من زار لبنان مرتين بعد احداث مرفأ بيروت في صيف العام الماضي ، وطلب من الساسة اللبنانيين ما طلب، بل وحدد لهم مواصفات من يجب ان ياتوا به كرئيس لحكومتهم ولما يتعين عليه ان يفعله وان يلتزم به امام العالم، ورشح لهم من رشحه، وكانه دون كل دول العالم الوصي علي لبنان وشعبها، وذهب هذا كله ادراج الرياح، وكان فشله مدويا ومزريا.
واخيرا ، وقبل شهور من الانتخابات الرئاسية في فرنسا ، وجد ضالته المنشودة في اطلاق ما اسماه بمبادرته الجديدة حول لبنان من السعودية ودول الخليج هذه المرة، وهو يتحرك كمن يبحث له عن دور يغطي به علي فشله المتكرر في العديد من الملفات الدولية الاخري...لكن اعتقادنا هو ان مبادرته الجديدة سوف تلقي نفس مصير سابقاتها لتضيف الي سجل اخفاقاته اخفاقا جديدا آخر ، اخفاق قد يتفاعل مع غيره لينهي له طموحاته في تجديد رئاسته، وليبقي لبنان علي حاله يمضي في نفس الطريق الذي شاءت له اقداره.