مقالات
الدكتورة نادية مصطفى تكتب: الوساطة التركية لإنهاء الحرب الروسية بين الحقيقة والخيال .!
بقلم: الدكتورة/ نادية مصطفىالمؤشرات التي تطرحها جهود الوساطة التركية بين طرفي الحرب الروسية الأوكرانية تبدو حتي الآن ايجابية وواعدة بقرب التوصل إلي اتفاق حول شروط وترتيبات وقف إطلاق النار إذا ما قدر لمثل هذا الاتفاق أن يري طريقه إلي التنفيذ خلال الأيام القليلة المقبلة.. ...
أهم ما في هذا الدور التركي الوسيط انه يحظي بدرجة عالية من القبول لدي الطرفين، وهذا شرط أساسي من شروط نجاح واستمرار الأدوار الوسيطة في مواقف النزاعات والصراعات الدولية ، وهو ما تحقق هنا دون اي تحفظات من جانب اي من الطرفين الروسي او الأوكراني.. وسبق للرئيس التركي اردوغان أن أعلن لحظة انطلاق هذه الوساطة ان تركيا تتفهم الحساسيات التي تكتنف مواقف الطرفين ومخاوفهما المتبادلة وانها واعية بذلك وسوف تكون حاضرة في حساباتها وهي تتحرك بينهما بدورها الوسيط.. وهو ما أراد به ان ينفي من البداية اي شبهة انحياز او تحيز لأحدهما علي حساب الأخر.. وهدف منه الي زرع ثقة الطرفين في نزاهة وحيادية هذا الدور وتبديد اي شك حول دوافعه وأهدافه لكي يمكنه ان يتقدم ويتواصل ويصل الي نتيجة يمكنها ان تزيح كابوس هذه الحرب عن العالم وتخفف بعضا من تداعياتها السيئة التي تجاوزت كل التقديرات والتوقعات...
سوف يكون وقف إطلاق النار الخطوة الأولي في رحلة الألف ميل ، فالتعقيدات التي ينطوي عليها هذا الصراع الروسي الأوكراني هائلة ، والثقة بين الطرفين مفقودة ولن يكون من السهل إعادة بنائها ، والمخاوف الأمنية المتبادلة أعمق بكثير من ان يزيلها اتفاق مؤقت او حتي دائم لوقف إطلاق النار، والتعويضات المستحقة عن الخسائر الرهيبة التي أحدثتها هذه الحرب سوف يكون الاتفاق عليها امرأ من الصعوبة بمكان، وأزمة العلاقات الروسية الغربية التي تلقي بظلالها الكثيفة والقاتمة علي أجواء هذه الحرب سوف تظل عائقا كبيرا أمام خروج العالم من النفق المظلم الذي أدخلته حرب روسيا علي أوكرانيا فيه .
وهنالك الكثير من المعضلات السياسية والاقتصادية والأمنية التي سوف تتطلب بطبيعتها وقتا طويلا حتي يتسني التغلب عليها والعثور علي حلول توافقية لها ، وهو ما سوف يحتاج الي جهود دولية خارقة للخروج من الأوضاع الدولية المتردية الراهنة الي أوضاع انقي وأفضل منها...فحرب روسيا في أوكرانيا لم تكن كأي حرب ولا تقارن نتائجها بنتائج اي حرب إقليمية أخري سبقتها لا في الشرق الأوسط ولا في غيره....
وكل ذلك يخرج بطبيعة الحال عن حدود الدور الذي يمكن للوساطة التركية ان تقوم به، فالدور المطلوب هو بالتأكيد دور اكبر بكثير من مجرد وساطة تفتح الطريق لتترك مواصلته بعدها لمن هم اقدر من تركيا علي التعامل مع كافة تبعاته وتعقيداته واشكالياته...
ما يبعث علي الأمل وسط كل هذا الضباب والإحباط هو أن أوكرانيا تنازلت عن الكثير مما كانت تسعي إليه قبل نشوب هذه الحرب ، كما أن روسيا تبحث لنفسها الآن عن مخرج...ومازال السيناريوهات مطروحة... والتساؤلات مطروحة: هل هي واقع أم درب من الخيال .؟