مقالات
الدكتورة نادية مصطفى تكتب: أقدام روسيا غاصت في الرمال الأوكرانية .!!
بقلم: د. نادية مصطفىإن ما يحدث في الحرب الأوكرانية جعل أقدام روسيا تغوص أكثر وأكثر في رمال أوكرانيا المتحركة بعد أن تحولت حربها فيها من حرب ثنائية محدودة في أهدافها ومداها ، إلى حرب مفتوحة بلا سقف زمني محدد تخوضها أوكرانيا بالوكالة عن الغرب كله وهو الذي يقف وراءها بمستوي من الدعم الشامل علي نحو لم يسبق له مثيل في مثل هذه النوعية من الحروب .
ومن ثم ، فان الصورة العامة لحرب روسيا في أوكرانيا تغيرت وأخذت أبعادا دولية إستراتيجية وسياسية مختلفة تماما عن تلك التي قدرتها روسيا وبنت عليها حساباتها وتوقعاتها كحرب خاطفة تخوضها تحت سيطرتها الكاملة وهو ما لم يعد كذلك بعد أن أصبحت مصيدة قاتلة استدرجها الغرب إليها وأغلقها عليها ومن مصلحته إلا تخرج منها في المدى المنظور .
فلم يعد احد في العالم يتحدث الآن عن تحييد أوكرانيا او عن نزع سلاحها أو عن تغيير نظامها أو عن مستقبل علاقتها بحلف الناتو علي نحو ما كان مثارا بشدة في بداية هذه الحرب ، وإنما أصبح التساؤل المطروح حاليا في كل مكان في العالم هو: عن ماذا بعد إن خرجت حرب روسيا في أوكرانيا من المسار الذي بدأت منه ودخلت في هذا المسار الجديد والخطير؟ والي أين تتجه بالعالم مؤشرات هذه الحرب التي تنذر بالكثير من العواقب الوخيمة والتداعيات السيئة بالنسبة للسلم والأمن الدوليين إذا انزلقت نحو مزيد من التصعيد المتبادل بين أطرافها ؟ وكيف ستتطور هذه الحرب ، وفي أي اتجاه ؟
وذلك بعد أن تورطت روسيا فيها ولم تعد تعرف كيف تنهيها بشكل يحفظ لها كرامتها كقوة دولية كبري مع فشلها المتزايد في تحقيق الأهداف التي سعت إليها وخططت لها من وراء دخولها فيها , وهو الفشل الذي لم يعد موضع خلاف مع تشدد القيادة الأوكرانية الواضح ورفضها المتزايد لكل ما كانت مستعدة لقبوله في بداية هذه الحرب مع تعاظم الدعم العسكري الغربي لها وتشجيعه لها علي الصمود والمقاومة وعدم التسرع في تقديم التنازلات المطلوبة منها ؟ وهل من مصلحة الغرب أكثر إخماد هذه الحرب الروسية في أوكرانيا أم الإبقاء عليها مشتعلة لاستنزاف روسيا ماديا وإحباطها معنويا وإنهاكها بالعقوبات الاقتصادية الدولية الصارمة المفروضة عليها وهو ما لن يكون ممكنا إلا باستمرار هذه الحرب وليس بوقفها أو إنهائها ؟
وباختصار، ما هو رد فعل روسيا المتوقع مع دخول كل هذه المنظومات عالية الدقة من أسلحة الناتو وغيرها من الأسلحة الأمريكية المتطورة وبشكل معلن من قبيل التحدي الي ساحة الحرب الأوكرانية خاصة وان روسيا سبق وان هددت مرارا من قبل بأنها لن تسمح بإدخال مثل هذه الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا وسوف تعتبر مثل هذا التصرف عملا عدائيا موجها ضدها وسيكون لها ردها عليه ، وهو ما لم نعد نسمعه منها الآن مما يضعها مع نفسها وأمام العالم في موقف بالغ الإحراج لها لعدم تطابق ردود أفعالها مع أقوالها الواردة علي السنة قادتها وزعمائها في بداية هذه الحرب ؟
وبالتالي، ماذا يعني أو بماذا نفسر عدم ردها بأفعال مادية ملموسة أو بإجراءات عملية مؤثرة علي هذا التطور الأخير والخطير وهو إغراق أوكرانيا بالأسلحة الغربية المتدفقة عليها من كل اتجاه , والإعلان عن مصادرها وحجمها ونوعياتها وتكلفتها ؟ وهو الأمر الذي يعني بالنسبة لحربها في أوكرانيا ما يعني من حيث إطالة أمد هذه الحرب ومضاعفة خسائرها وتكاليفها بالنسبة لها وزيادة تململ الداخل الروسي وتذمره من حرب استنزاف قد تمتد وتطول وسوف تفوق تكاليفها وخسائرها المتوقعة عوائدها بكثير ، هذا إن كان لها ثمة عائد علي الإطلاق شانها في ذلك شان الكثير من الحروب الدولية والإقليمية التي سبقتها ؟ بل ماذا يعني تشابك كل هذه العوامل المحورية مع بعضها والي أي نوع من النتائج أو العواقب يمكن أن تفضي إليه تداخلاتها وتفاعلاتها وتأثيراتها المتبادلة سواءً سلبا أو إيجابا ؟
هذه كلها تساؤلات مهمة تبحث عن إجابات دقيقة من قبل الخبراء السياسيين والمحللين الدوليين المعنيين برصد مجريات حرب روسيا في أوكرانيا بكل دقائقها وتفاصيلها , حتى نعرف إلى أين تمضي بنا هذه الحرب الخطيرة التي أحدثت في العالم من التداعيات المدمرة خلال أسابيع قليلة ما لم تحدثه أي حرب إقليمية أخري منذ نهاية الحرب الباردة.. فنحن الآن أمام حرب ليست كأي حرب وأمام تحديات لسلم العالم وأمنه ليست كأي تحديات..