مقالات
الدكتورة نادية مصطفى تكتب: إسرائيل في عين العرب.. وضآلة العرب في عين إسرائيل .!!
بقلم:د/ نادية مصطفىعندما يقارن الإنسان بين ما تلقاه الجاليات اليهودية في بعض مجتمعاتنا العربية سواء في بعض دول الخليج العربي أو في غيرها من حفاوة بالغة في مناسباتهم الدينية وسط أجواء احتفالية مفعمة بالود والمشاعر الحارة ، وبين ما يلقاه الفلسطينيون علي يد إسرائيل في أراضيهم المحتلة وفي مناسباتهم وأعيادهم الدينية من تنكيل وإرهاب وترويع ومداهمات ومطاردات واعتقالات وتضييق وحصار وإطلاق رصاص وغازات سامة ، وسط أجواء كئيبة ومفعمة بمشاعر الكراهية والرفض والازدراء لهم وكأنهم ليسوا بشرا لهم نفس الحقوق مثلهم ، أدرك الفرق الهائل بين ما نتعامل به معهم وما يتعاملون به معنا ، وفي رأيي أن العيب في هذا كله ، حتي لا نظلمهم ، لا يمكن أن يكون عيبهم وحدهم ، وإنما هو عيبنا كعرب قبل أن يكون عيبهم كإسرائيليين.. فهم يتعاملون معنا علي حقيقتهم وبوجههم العنصري القبيح ولنا أن نقبلهم أو نرفضهم.. فهذه مشكلتنا قبل أن تكون مشكلتهم...
أقول ذلك بمناسبة ما رأيناه أمس منقولا علي شاشات بعض الفضائيات العربية ، عن احتفال الجالية اليهودية في دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الفصح اليهودي وسط أجواء احتفالية مبهجة ظهروا فيها وهم يرقصون ويتبادلون الأنخاب مع بعضهم بقلانسهم التقليدية المعروفين بها وهي التي يحرصون كعادتهم علي وضعها فوق رءوسهم ليعبروا بها عن اعتزازهم وتمسكهم بهويتهم الدينية اليهودية وليميزوا بها أنفسهم عن غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى دون أن يحسوا في ذلك بأدنى خجل أو حرج ، ورأيناهم في المحفل الكبير الذي تجمعوا فيه في أبو ظبي وهم يتصرفون مع بعضهم علي راحتهم , وربما بأكثر مما يفعلونه في إسرائيل نفسها ، أو هذا ما تصورته لنفسي وأنا أتابع هذا المشهد الاحتفالي المثير الذي لن أقول انه استفزني بقدر ما آثار دهشتي واستغرابي لأنه يأتي في توقيت حرج وصعب للغاية ، ووسط ظروف غير طبيعية من تصاعد العنف الإسرائيلي المسلح في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والتي لم يسلم منها المسجد الأقصى نفسه.. وتابعنا تداعياته وما أفضت إليه من صدامات مسلحة ذهب ضحيتها أبرياء كثيرون...
وهنا أقول انه عندما أقارن هذا الكرم الإماراتي الكبير في تمكين الجالية اليهودية المقيمة في الإمارات من الاحتفال بأعيادهم بهذا الشكل الذي رأيناه في مثل هذه الظروف الصعبة ، وهو الاحتفال الذي لا بد وان يكون هناك نظير له في دول عربية أخري حتي وان لم تسجله الكاميرات أو تنقله الشاشات علي النحو الذي رأيناه في أبو ظبي ، أقول انه عندما أقارن هذا المشهد الاحتفالي الإماراتي المبهج بالعنف المفرط الذي يتعامل به الجنود الإسرائيليون بأوامر مباشرة من قادتهم ورؤسائهم من سياسيين وعسكريين ، مع المصلين الفلسطينيين في الحرم القدسي الشريف، وعندما أراهم وهم يستبيحون حرمة هذا المكان المقدس ويقتحمونه ويطوقون محيطه ويقفون متحفزين برشاشاتهم وهم مرتدون خوذاتهم ويتعاملون معهم بغطرسة شديدة ، وكأنهم ذاهبون الي ساحة قتال وليس إلي دار عبادة أو إلي بيت من بيوت الله يؤدي فيه الفلسطينيون صلواتهم في هدوء وتضرع وسلام ...
وعندما أري هؤلاء الجنود الإسرائيليين وهم يلكمون كبار السن من الفلسطينيين في صدورهم ويزيحونهم من طريقهم بعنف زائد وغير مبرر وعيونهم تبرق بالشر والحقد والغل ، وعندما يستمرون في إطلاق رصاصهم الحي علي المصلين العزل ليصيبوا المئات منهم ويحاولون عرقلة نقلهم إلي المستشفيات بسيارات الإسعاف، وعندما يعتقلون مئات الشباب الفلسطيني المسالم ليزجوا بهم في معتقلاتهم بادعاءات كاذبة واتهامات ملفقة ينسبونها إليهم زورا وبلا دليل أو أساس كعادتهم ، ومن بينهم أطفال صغار ذهبوا للصلاة في هذه الأيام الدينية المباركة بصحبة ذويهم ولم يرجعوا معهم إلي بيوتهم في مشاهد تدمي المشاعر ، وعندما أراهم يطاردون السيدات والفتيات الفلسطينيات ويروعونهم ليجبروهم علي مغادرة المكان والفرار منه مهرولين ومذعورين خوفا من بطش هؤلاء الجنود كما شاهدناهم وتابعناهم في مشاهد موثقة ناطقة لا تكذب...
عندما أري هذا كله منقولا إلينا بالصوت والصورة ، فانه لا بد وان أسال نفسي مع كثيرين غيري : هل هذه المفارقة الشنيعة بين ما نعاملهم به في مناسباتهم الدينية ، وبين ما يعاملونا به في مناسباتنا الدينية وفي غيرها ، يمكن أن تكون منطقية أو مقبولة بأي معيار إنساني أو أخلاقي حتي نقبلها منهم معللين ذلك لأنفسنا بان هذا هوَ أسلوبهم الذي اعتادوا عليه معنا وأنهم لن يغيروه حتي لو وضعناهم فوق رءوسنا وطرنا بهم في السماء ؟
اعتقد أن الرد عليهم بما يصحح هذا الوضع المائل َوالشائن واضح تماما لكل صاحب عقل ولا يمكن أن يختلف عليه اثنان ، وهو أننا لو كنا نعرف كيف يجب أن يكون الرد علي معاملتهم العنصرية المهينة والمستفزة لكرامتنا وإنسانيتنا كبشر ولحقوقنا المشروعة ، بمعاملتهم بما يستحقونه بلا مبالغة في إظهار الود والتعبير عن المشاعر الحارة لهم باسم التطبيع والسلام ، لأجبرناهم به علي معرفةَ حدودهم معنا وعدم تجاوزها ، ولكان لنا معهم وقتها شان آخر ، وهذا هو كل ما أردت أن أقوله تعبيرا عن مشاعري إزاء مشاهد مستفزة كثيرة أراها ولا تعجبني... واعذروني إذا كنت قد ذهبت بعيدا في ما أردت التعبير عنه ربما بحكم الجيل العربي القديم الذي افخر بانتسابي إليه ..ووقت أن كان دفاعنا عن عروبتنا وعن انتمائنا القومي هو شاغلنا الأول..!