مقالات
سورية الإنسان.. باقون على عهد الوطن
بقلم الاعلامية: غانيا محمد درغاميسأل الزمن من مروا به أين إنسانيتكم مني؟، لتخبره الأرض هم أبنائي، وكل منهم حفر خلوده في التاريخ إما بالدم وإما بالروحِ، ليست أي أرض تستطيع محادثة الزمن، فقط التي شهدت على وفاء أحبتها، فأي حكايات ستتباهى بها الثرى التي جعلها ساكنيها أعلى من الثريا، هي سورية حبيبة من سكنها تقول للزمن تمهل في كتابة التاريخ وخط المستقبل، فأحبتي لهم تفاصيل في الحياة لابد أن تكتبها عبرة للعالمين.
اشتهر المجتمع السوري منذ القدم بالتعايش المشترك، والتلاحم بين الطوائف المختلفة التي شكلت فسيفساء إنسانية جعلت منه قدوة للسلام بين المجتمعات الأخرى، وهذه النتيجة لم تأتي من وحي المجهول، بل كانت نتيجة لطبيعة الحياة المشتركة التي احترمت الطوائف بشكل عام، والإنسان بحد ذاته على وجه الخصوص، لكن مع هجمة الحرب الإرهابية كانت هناك سياسة رديفة لها وهي تفتيت العنصر الإنساني في المجتمع وأول أهدافها كان الدين، ومن ثم البشر لتصل آخراً إلى الحجر الذي هو عماد بنيوي وتاريخي لحضارة وتراث الوطن، وبالمقارنة مع البيئة السورية قبل الأزمة مع أنواع الانتهاكات التي حصل فيها نلاحظ جيداً أن الممارسات الإرهابية كانت مدروسة جيداً للحصول على اكبر قدر من الخسائر الإنسانية، الاجتماعية، الدينية، التاريخية، والحضارية لتصل نهاية إلى تفتيت كيان دولة فيسهل استعمارها من قبل السياسات التي اعتادت على مص الدماء لتضمن استمرارها.
بغض النظر عن تدنيس الإرهاب المُصدر عالمياً إلى سورية للتعايش المشترك، هناك الجرح الأكبر الذي أصاب المواطن السوري فأدمى إنسانيته، وظهرت آثار الإرهاب على المستوى الإنساني في مناحي متعددة منها:
- انعدام الأمان للعيش في بعض المناطق التي تعرضت للهجوم الإرهابي.
- محاصرة الإرهابيين لبعض المناطق وقطع إمدادات الطعام، والمواد الطبية عنها.
- المجازر التي حصلت بغرائز وحشية "ذبح، تفجير، تقطيع رؤوس، اغتصاب..".
- حالات الخطف المرهونة بفدية ما، أو لأجل مأرب ما.
- تدنيس دور العبادة، وانتهاك حرمة الدين الذي يعتبر من أسمى ممتلكات الإنسانية.
- نشر الدين التكفيري والعقاب بمسمياته مثل جريمة الإعدام التي نُفذت بالصلب والرمي بالرصاص.
- قتل الإرهابيين للأطفال على مرأى الوالدين، أو قتل الوالدين أمام الأطفال وخطفهم لتربتهم على النهج الإرهابي.
يعتبر السلاح هو الخطر الأكبر أثناء الحرب، لكن التدمير النفسي هو أشد فتكاً منه، حيث تخلف الحروب الإرهابية التي تتصف بالعدوانية العنيفة أثراً نفسياً سيئاً في كل إنسان، بالتالي يعود على المجتمع ككل، وخاصة على النساء بحكم الطبيعة العاطفية التي يتصفن بها، والأطفال الذين لن تنسى ذاكرتهم الأشلاء المتناثرة، الرؤوس المقطعة، الخراب والدمار، فيكون فقدان العزيز أو المنزل، الرعب والقلق من أشد ما يضني روح الإنسانية.
والجدير بالذكر أنه بالرغم من تفاوت الوسط الاجتماعي والإنساني ما بين الأزمة وخلالها، إلا أن المواطن السوري كان ولازال في وجههم قلاع صامدة ربما تهزها الضربات لكن لن تهدمها وتعدم وجودها، وبالمقارنة بين قدرة تحمل كل فرد عن الآخر نجد أنه لا بد من محاولات لإعادة بناء الفرد في بعض الحالات التي تعرضت للإرهاب الأعنف، أما بشكل عام لازال الإنسان السوري على عهد وطنه، مخلص له، ويتحدى الصعاب من أجله، والدليل على هذا هي المسيرات التي خرج بها السوريون تحت القصف من أجل مثابرة الجيش السوري على بطولاته، وإثبات ولائهم لسيادتهم، وأمهات الشهداء الشامخات بفخر أولاهن والقادرات على العطاء أكثر وأكثر، إضافة للتلاحم بين الطوائف الذي لا زال كسابق عهده، وهذا يعود أولا للطبيعة الإنسانية التي يتصف بها المواطن إضافة لقوة النهج القومي الذي تتبناه سورية.
وبالعودة إلى المناطق التي حررها الجيش العربي السوري من دنس الإرهابيين، والتي عانت من تخريب في البنى التحتية والخدمات اضافة للممارسات التخريبية البشرية، فلابد من ذكر انجازات أبناء تلك المناطق التي واكب رجوعهم إليها بعد إعادة الدولة السورية لرمق الحياة فيها، فرغم ما تكبدوه من عواقب وخيمة للإرهاب، إلا أن المواطن السوري كان على ثقة بحكومته أنها الملاذ الآمن الذي يسحق شبح الإرهاب من حياته، سيما أنها كانت كذلك قبل الهجمة الإرهابية التي أسموها ربيعاً وهي ليست إلا نزيفاً، القبضة الشعبية التي أمسكت بقبضة الحكومة في تلك المناطق أعادت إليها الإعمار "البنيوي، الاجتماعي، الانساني، الثقافي والإقتصادي"، وهذا ما تؤكده مدينة حلب اضافة إلى باقي المناطق السورية المحررة، بالتالي إن هذه الإرادة المشتركة بين الدولة السورية والشعب السوري باتت الوفاء الحقيقي الذي وحده ينهض بسورية قلب العروبة النابض.
هكذا وجه الشعب السوري الصفعة الثانية لوجه الإرهاب ولحلم الدول المعادية بعد صفعة بطولات الجيش العربي السوري بدحرهم عن أراضي الوطن وتطهيره منهم، كانوا اعداء سورية المتصهينين يظنون أن سورية مجرد أرض تعلوها أشباه بشر مثلهم، لكنهم باتوا على يقين أن سورية هي الإنسان المناضل، المقاتل، المتعايش، المحب، والمتسامح، سورية تنبض بعزة أبنائها فلا تخاذل يضنيها ولا صمت القبور يثنيها.