دين
غزوة بنى المصطلق.. كيف فضح الله المنافقين وبرأ أم المؤمنين؟
محمود ابو السعودتنبع أهمية هذه الغزوة في وقوع أحداث جسام خلالها كشفت المنافقين وفضحتهم، حيث وقعت فيها "حادثة الإفك".
من هم بنو المصطلق
هم بطن من خزاعة، والمصطلق جدهم، وتاريخ هذه الغزوة اختلفت فيه الأقاويل، إلا أن أرجحها كانت في السنة الخامسة للهجرة، وكانت هذه القبيلة من المؤيدين لقريش ضد المسلمين في غزوة أحد، وكانت تسيطر على الخط الرئيسي المؤدي لمكة، فكانت حاجزًا منيعًا من نفوذ المسلمين إلى مكة، غير أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغه أن بنى المصطلق وقائدهم الحارث بن أبى ضرار يجمعون له، فخرج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المدينة في سبعمائة مقاتل وثلاثون فارسًا، وخرج معهم مجموعة من المنافقين الذين لم يخرجوا مع الرسول في غزوة من قبل، وألتقى الجيشان على ماء لبني المصطلق اسمه "المريسيع".
وكانوا بالفعل يجمعون الجموع لحرب المسلمين ففاجئهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأغار عليهم وهم غافلون، فقتل مقاتليهم وسبى النساء والذراري (النسل)، وكان منهم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث التي تزوجها النبي في هذه الغزوة، واعتق بسبب هذا الزواج مائة من بني المصطلق وأسلموا.
وكانت هذه الغزوة فريدة، إذ أسلمت عقبها القبيلة بأسرها؛ لأن الصحابة حرروا وردوا كل الأسرى الذين أصابوهم إلى ذويهم واستكثروا على أنفسهم أن يتملكون أصهار نبيهم، وحيال هذا العتق دخلت القبيلة كلها الإسلام.
المنافقون وإثارة الفتن
استغل المنافقون اقتتال اثنين من المسلمين، ونادى كل منهما على الانصار والمهاجرين، فقال الرسول (أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها مُنْتِنَة)، وغضب عبد الله بن أبي بن سلول، ولم يرغب في ترك الأمر قائلاً:"سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، وسمعهم زيد بن الأرقم فحكى لعمه الذى نقل إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الواقعة، وعندما بلغ بن أبي أن كلامه وصل للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حلف له أنه ما قاله، فأنزل الله سورة المنافقون: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ)، فقال الرسول (إن الله قد صدقك يا زيد).
حادثة الإفك
ولم يكتف المنافقين بهذا بل تطاولوا على شرف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ متمثلاً في زوجته أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، حيث خرجت مع الرسول في هذه الغزوة بعد أن أصابتها القرعة من بين زوجاته، وفي أثناء طريق العودة فقدت عقدا لها أثناء قضاء حاجتها فذهبت تبحث عنه، ورحل الرجال بهودجها دون أن يشعروا بعدم وجودها داخله، وعند عودتها لمكان إقامتهم لم تجد أحدَا، فجلست في مكانها تنتظر عودتهم لأصطحابها، ونامت واستيقظت على قول صفوان بن المُعَطَّل:(إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)، فركبت على ناقته وسارا حتى لحقا بالجيش، واستغل عبد الله بن أُبي الموقف وحديث الناس وأخذ يحكي الإفك، ويستوشيه، ويشيعه، ويذيعه، ويجمعه ويفرقه.
وعند العودة مرضت السيدة عائشة شهرا، ولم تعرف بما حدث وفي نفس الوقت لم ينزل الوحى على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبعد شفائها عرفت القصة من أم مسطح، واستأذنت الرسول للذهاب إلى بيت والدها، فلما وافق باتت تبكي ليليتن دون نوم، حتى أتى الرسول إليها وقال: (أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه).
ولما استنجدت بوالديها ليردا عنها ولم تجد إجابة قالت:"والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه بريئة ـ لتُصَدِّقنِّي، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف، قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون)، ونزل الوحي ساعته، وسر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال (يا عائشة، أما الله فقد برأك) ونزلت الاية : (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ).