منوعات
حكايات من الواقع: كلما فكرت في سبيل يغشيني الشيطان عنه
مي عبد المجيدلم يكن ذلك الشاهد الذي أقف أمامه أصما حتي لا يسمعني ولا موحشا حتي أخاف منه ولكنه ركن حان ألجأ إليه خائفا ملتاعا فتسكن الروح مني ويهدأ الزعر فيها بعد عمر قضيته في ظلمة محبسي خارج الدنيا, أعرف أنك تسمعني ويستقر في نفسي ما تريد أن تقول ولكنك يا أبي استعجلت الفراق
مازلت في حاجة إليك, تحتوي النفس مني وتنصح العقل فيها ما يصلح كثيرا من أمور حياتي, ولكني آتيك بهمي أعبر الزمن إليك فلا تردني, يظنني الناس معتوها وأنا أتحدث إليك في قبرك, رجلا مجذوبا اشتعل الرأس منه شيبا لا مأوي له غير المقابر, لا يدركون أنك حقا تسمعني وأستمد النصح منك وكثيرا ما أتيت إليك كالا من همي ولا تردني غير ذي هم, ما كنت آتيك زائرا يحمل وردا بقدر ما كنت أحمل بعض نفسي أقدمها إليك إما يفوح منها عبق خير يسرك وإما يذبل الزهر في أيامي ولا أجد ما يرويني غير قربي وحديثي معك.
واليوم أنا في أمس الحاجة إليك فأنا في خريف عمري, احترقت أوراق عمري الزاهرة في السجن وخرجت لأجدني أقف علي مفترق طريقين لا أدر أيهما أسلك هل أعود لغيي وآكل لقمتي حراما أم أطرق أبواب الرزق حلالا ولو كانت تسولا فلا أحد يقبل صاحب سابقة عاملا عنده, كلما فكرت في سبيل يغشيني الشيطان عنه وما بيدي غير أن ألقي بثقل حملي عليك كما اعتدت طوال عمري.
تعلم يا أبي من أمر زوجتي ما كان يحزنك قبل فراقك الدنيا وكنت تدعو لي بالرزق الحلال وأن يطيب الله نفس زوجتي ويجعلها قانعة بحالها راضية بما قسمه الله لنا من رزق في الحياة وما كان رحيلك غير انقلاب وقع في حياتي جعلني مسلب الإرادة تائها من دونك لا أدر إن كنت علي صواب فيما أفعل أم علي خطأ, استسلمت لها وقيدت رقبتي بسلسلة حب وحنان زائف تعوض به نفسي الملتاعة لرحيلك.
كانت تقول إنها تحبني ولكنه حب شيطاني أوقع بي في مدارك ظلمات حالة اسود فيها القلب مني وبت لا أدري من أمر نفسي ما هو حلال من حرام فقبلت من المال ما هو ليس لي مقابل تخليص مصالح الناس, ارتميت ذليلا تحت أقدام مطامع زوجتي مرتشيا بلا ذمة أو ضمير, بنيت لها الفيلا وأتيت لها بالسيارة الفاخرة, أرضيتها ونسيت أني أغضب ربي حتي أولادي لم أعد أقوي علي النظر في أعينهم كنت أهرب منهم وأنا أعرف أن مالي الحرام سوف يصمهم بالعار وينتهي بهم للضياع في يوم من الأيام, كانوا في مدارس خاصة لا ينقصهم شيء سوي وجود أم هي والعدم سواء وأب ليس له أي دور في حياتهم, كانوا شبه أيتام بلا عائل وها هو ابني الأكبر قد ابتلي بالإدمان ينخرعظامه كالسوس في شيطانية يقتله ببطء فيما يرقد أخوه الأصغر بين الحياة والموت إثر حادث بسيارته قادها متهورا كعادته فاصطدم بمصيره.
هل تصدق يا أبي أن أمهما لم تستشعر ألما علي مصير ولديها حتي أنني اكتشفت أنها علي علاقة بشاب يصغرها بسنوات في عمر أولادها تنفق عليه من مالي.
أعرف أنني من أوديت بحالي إلي هذا الدرك الأسفل من مدارك الشيطان وأن قتلي لها لن يشفي غليلي بقدر ما يضيع البقية الباقية من آدميتي ولكن مفترق الطريق بين التوبة وإصلاح ما فسد وصعوبة الطريق إليه وما بين فكرة الانتقام أشبه بالنار تشتعل في جسدي, ولكني سلكت طريقا لم يكن باختياري أجبرتني هي عليه, لم أطيق رؤيتها مع عشيقها فانقضضت عليه وقتلته, وقتها أحسست أني تطهرت بدمه وما كان يقض ليلي في السجن المؤبد الذي حكم علي به غير أولادي وما فعلت بهم الدنيا, انقطعت عني أخبارهم وأمهم حتي خرجت من سجني بعد أن قضيت منه ثلاثة أرباع المدة حسن سير وسلوك,
وبعد أن خرجت بحثت عنهم في كل مكان دون جدوي, الدنيا تغيرت ومن كان لي صديقا بات ينفر مني حتي نظرة المجتمع لي كسجين سابق تجعلني منبوذا, وحيدا وسط آلاف البشر, لم أجد من يؤنس وحشتي ويرشدني غيرك يا والدي فاحتميت بشاهد قبرك تسكن إليه نفسي, كنت في الماضي عندما أرتكب خطأ لا أخاف منك بل أجري إليك لائذا فتحتضنني وتهدئ من روعي وتقوم ما فعلت وتصلح من شأني فيه, ولكن الآن أشعر أن الحياة ولت مني وضاع فيها الأمل بضياع أولادي و لعل النور في عينيي ينطفئ قبل أن أرتوي برؤية أولادي..!
لقد جئتك سيدي وحكيت لك حكايتي وكيف أني أبيت إلي جوار قبر أبي فليس لي سكن آوي إليه غيره, أنتظر ما بقي لي من أيام حتي تنشق الأرض عني فأستوي إلي جواره ولكني خائف يمتلئ القلب رعبا وفزعا من لقاء ربي لا أدر هل قبل توبتي؟ وهل ضاع أولادي ولن أراهم ثانية, إنها حكمة الله و قدره, راض بها حامد شاكر لما أنا فيه إنما أكفر عن حياتي الماضية, أستند في طريقي علي رحيق أبي وأريجه وأنا إلي جواره سكنا وسكينة..!
م. ع
عندما أتيتني كانت قسمات وجهك تموج بنتوءات الماضي تحفر آثار ما عانيت من آلام ولكن خيوطا أخري من نور كانت تضيء وجهك, تلك خيوط الأمل واليقين في رحمة الله و عفوه فلا تقنط يا أخي من رحمة الله ولا تسرف علي نفسك واحتسب ما أنت فيه قدرا وتخفيفا لذنوبك ولعل الصبر والإيمان يملآن قلبك ويضيئان لك الطريق ويعبدانه حتي تسلك الخير فيه وتعرف أن نهايته رضاء ربك.
وإذا كنت قد وجدت راحتك وسكينتك إلي جوار قبر أبيك فذلك إحساس طبيعي فقلب الأب سكن وقديما قالوا رضا الرب من رضا الأب علي ابنه وإذا كانت الجنة تحت أقدام الأمهات فإن ترحمك عليها ووالدك ولوذك بهما لخير دليل علي صدق التوبة في قلبك ولعل رضاهما عنك يفتح لك باب الرحمة والمغفرة فلا تقنط من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا.
ولنا في كلام الله نبراسا نهتدي به فقد قال المولي عز وجل في محكم آياته وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم علي نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم(54)( الأنعام) ومن هنا نؤمن أن أبواب الرحمة لا تغلق في وجه عباد الله التائبين ولعلك منهم إن شاء الله, أيضا لا تيأس وتفقد الأمل في رؤية أولادك لعلهم بخير وأدعو ربك طامعا في كرمه أن يهديك إليهم ويثلج صدرك بهم مفوضا أمرك إليه إنه بصير بالعباد