منوعات
حكايات من الواقع: أقف على حافة آخرتي..!
مي عبد المجيدأنا امرأة أكل من عمرها الدهر وشرب، أقف علي حافة آخرتي بعد مشوار طويل عشت فيه الدنيا طولا وعرضا لا ألوي علي شيء غير أني أحب الحياة ومتعها، يغشي عيني بريق الشيطان في اللذة الحرام لا أدر أن الدنيا التي عشقتها سوف توليني ظهرها يوما وتغل أقدامي بأغلال المرض والوهن، أكتوي بنيران اللذة التي عشت من أجلها حياتي هرما وهوانا حتي أن ابنتي الوحيدة ترفض أن تعترف بوجودي وتنكرني وتقول لزوجها وأولادها بأن أمها ماتت وهي صغيرة حتي لا يعرف أحد أن لها أما كانت في السجن..!
قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاما كنت أعيش مع زوجي في بيت أمه ولم تكن حياتي تعجبني وأشعر دائما أن أبي وأمي أجبراني علي الزواج من هذا الرجل متواضع الحال ليتخلصا من حملي خاصة أن هناك غيري كثير من الأشقاء يمثلون عبئا ثقيلا علي كاهل الأسرة وزواج واحدة من الأبناء بمثابة تخفيف الحمل، وكان علي أن أتعايش مع زوجي وأمه بضيق الحال والصبر علي متطلبات الحياة وأحيانا الضروريات منها.
حتي عندما أنجبت ابنتي أحسست باختناق وعجز عن تحمل الحياة بكل هذا الشظف في العيش والصبر حتي علي قوت اليوم عاما بعد عام إلي أن دخلت ابنتي المدرسة، في ذلك الوقت كنت قد تعرفت علي شاب كان جارا لنا متيسر الحال استطاع أن يشاغلني ويجذبني إليه وعرف أن الفقر والمعاناة هي سبب أزمتي مع زوجي فأخذ يغدق علي بالمال والهدايا حتي هربت معه وعشنا معا حتي ارتوت مني رجولته حراما ثم لفظني لقمة سائغة لذئاب الشوارع، ولكنني كنت قد عرفت طريقي وأن الشيطان الذي أغواني وسلبني من نفسي وبيتي وابنتي هو نفسه من يجب أن أتحالف معه وأحقق كل أحلامي في الثراء السريع، وانتقمت من الشيطان الأول في حياتي فقد كنت أعرف أن أمواله الحرام التي أغواني والتهم شرفي بها من تجارة السموم المخدرة فأبلغت عنه وانطلقت أنا في طريق اللذة الحرام أعلو وتعلو بي ذنوبي حتي انتهت بي الحياة خلف أسوار السجن وضاع كل شيء المال والجمال والعمر كله حتي ابنتي لم أكن أعرف عنها شيئا لتمضي بي سنوات السجن عمرا ينقضي ويحترق مني الشباب وتنذوي الصحة وأخرج للدنيا بظهر محني ذلا و عارا لا أعرف إلي أين أمضي..!
بعد أن كنت أعيش في شقة فاخرة ويتهافت الرجال تحت قدمي بت أفترش الأرض تحت أقدام الناس أبيع بعضا من أكياس المناديل ابتغاء لقمة تقيم أودي وجنيهات أشتري بها علاجي.
خمس سنوات مضت منذ خروجي من السجن لا بيت لي إلا تعريشة خشب أعلي سطح بيت قديم أوي إليها ليلا وفي الصباح أخرج للشوارع طلبا للرزق وبحثا عن أهلي حتي عثرت علي واحدة من شقيقاتي لم تكن تريد أن تقابلني ولكنها رقت لدموعي واستقبلتني خفية عن زوجها وطلبت مني أن أختفي من حياتهم فأبي وأمي رحمهما الله اعتبراني ميتة قبل أن يرحلا عن الدنيا ولو علم أحد بوجودي في الحياة ستكون فضيحة تدمر حياتهم وعندما سألتها عن ابنتي قالت لي إن جدتها من تولت رعايتها بعد وفاة والدها علي أثر مرض سرطاني قضي عليه وهو بعد في مقتبل العمر وأخبرتني أن ابنتي متزوجة من رجل يحبها ولكنها لا تعلم عن حقيقتي شيئا..!
لم أقتنع بما قالته لي شقيقتي، كيف لي أن أعرف مكان ابنتي، استحلفتها بالله ورباط الدم بيننا أن تخبرني بمكانها حتي رضيت وذهبت لابنتي وأحسست كم أشقيتها بصدمة وجودي علي قيد الحياة والعار الذي يحيط بحياتي كالسوار بالمعصم، رفضتني، أنكرتني، قالت لي إنني لعنة في حياتها وإن ظهوري في حياتها يلوثها ويهدم بيتها، طردتني من بيتها ولست أدر ماذا أفعل هل أغلقت في وجهي كل أبواب الرحمة؟ هل كتب علي أن أتجرع مرارة خطيئتي حرمانا من أهلي وابنتي و نكرانا منهم؟
لعل الموت أرحم لي من هذا العذاب و لكنه لا يأتي، يثقل المرض علي وطئته و لا يقضي علي.. ظننتني عندما جئتك أني ما أتيت إلا لأتسول أو طلبا للعلاج و لكني أريد أن يسمعني أحد، يحس بالنار تلتهم قلبي ندما و حرمانا و خوفا من ملاقاة الله عز و جل بعد كل هذه الحياة مع الخطيئة.
م. ن
نتوءات قاتمة تحفر شروخا في وجهها تشي بقسوة الأيام التي عاشتها تلك المرأة التي دخلت علي تلتحف جلبابا أسودا و طرحة سوداء، كان صوتها يرتعد وجلا و هي تحكي حكايتها، قالت إنها لا تريد مساعدة غير أنها تائهة تبحث عمن ينير لها طريقا تسلكه.
قالت يا ولدي لم يعد في عيني منابع للدمع، بكيت حتي جفت آلامي دمعا و حزنا، أصدقني هل لمثلي حق في الحياة، و إذا كان الله يغفر الذنوب جميعا فكيف للبشر أن يكون في قلوبهم جحودا و نكرانا لأقرب الناس إليهم و إن أخطأوا ؟ و طلبت منها أن تهديء من روعها و قلت لها: ليس من حق أحد أن يسلبك حق وجودك في الحياة الذي وهبه الله لك فلا يأخذ إلا من أعطي فلا تقنطي من رحمة الله و لا تسرفي علي نفسك و تجلديها لإرضاء من لفظوكي و ثقي في توبتك لو كانت صادقة و يقينك في رحمة الله و غفرانه فهو لا يرد عبدا من عباده جاءه تائبا و صدق الله العظيم في محكم آياته عندما قال ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم النور22
و من هنا لابد لأشقائك وابنتك أن يعلموا يقينا أن رحمة الله التي استكثروها عليك ربما لايجدونها و هم أحوج الناس إليها في يوم من الأيام فلا تملي من محاولات استرضائهم و لو استعنتي بأحد من معارفكم يتوسط بينك و بينهم لعل الأمر ينتهي إلي الخير.