فن وثقافة
شاعر قتله الحب.. «كامل الشناوي» العاشق المحروم وآخر ظرفاء الأدب
نورهان الديهىفي قرية "نوسا البحر" بمركز أجا بمحافظة الدقهلية، وُلد الشاعر والكاتب الصحفي الكبير كامل الشناوي في السابع من ديسمبر عام 1908م، وذلك بعد أشهر قليلة من وفاة الزعيم الوطني مصطفي كامل باشا؛ فأطلق والده اسم "كامل" على وليده الصغير؛ تيمنًا بمسيرة نضال الزعيم الراحل.
بيت عريق وأسرة من الأعيان
نشأ كامل الشناوي في بيت عريق من بيوت محافظة الدقهلية، فقد تدرج والده الشيخ سيد الشناوي بالقضاء الشرعي، حتى أصبح رئيس المحكمة العيا الشرعية، وكان ذلك أعلى و أرفع منصب قضائي في مصر في ذلك العصر، كما كان عمه فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخ الأزهر الشريف، أما والدته صديقة هانم بنت سعيد باشا فقد كانت من أعيان نساء قريتها "نوسا البحر"، وهو الشقيق الأكبر للشاعر الغنائي الكبير مأمون الشناوي.
من رحاب الأزهر إلى بلاط صاحبة الجلالة
التحق كامل الشناوي برحاب الأزهر الشريف، ولم يلبث به أكثر من خمس سنوات فعمد إلي المطالعة ومجالس الأدباء، ودرس الآداب العربية والأجنبية في عصورها المختلفة.
التمس كامل الشناوي طريقه إلى بلاط صاحبة الجلالة، فعمل صحفيًا بجريدة "الوادي" مع عميد الأدب العربي د.طه حسين، ثم مجلة "روز اليوسف" مع أمير الصحافة العربية محمد التابعي.
دخل كامل الشناوي عالم الصحافة من باب الشعر، وكان دائما يقول إنه يفضل أن يكون شاعرًا أولا قبل أن يكون صحفيًا:"ما بقتش في شعري صحفي، لكن أصبحت شاعرا في صحافتي".
ترك كامل الشناوي وبصمته الكبيرة في كل الصحف والمجلات التي عمل بها، وأشهرها "آخر ساعة" و"المصور"، ثم رئاسته لقسم الأخبار بجريدة الأهرام عام 1954م، وصولاً لرئاسة تحرير "أخبار اليوم" حتى وفاته.
أشهر ظرفاء العصر
اشتهر كامل الشناوي بروحه المرحة وقدرته على تأليف النكات، وسرعة البديهة، والسخرية، رغم كتاباته التي كانت تقطّر ألماً.
من مؤلفاته:"اعترافات أبي نواس، أوبريت جميلة، الليل والحب والموت، وآخر أعماله كانت أوبريت "أبو نواس".
كوّن كامل الشناوي دائرة معارف كبيرة، ضمت صفوة المجتمع والفنانين، الذين تهافتوا لغناء قصائده الشجية التي تفيض حزنًا وألمًا، وتصدرت كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم القائمة بأغنية "على باب مصر" من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب في لقاءهما الثاني ببعد رائعة "انت عمري"، غنى له موسيقار الأجيال"الخطايا" عام 1946م، ونشيد الحرية، قبل أن يغني له أيضًا على عودة قصيدة "لا تكذبي" قبل أن تشدو بها القيثارة نجاة الصغيرة والعندليب الاسمر عبد الحليم حافظ.
العندليب أيضًا غنى لكامل الشناوي قصيدتين من روائعه "لست قلبي" من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، و"حبيبها" من ألحان محمد الموجي، أما موسيقار الخلود فريد الأطرش فقد تغني بأعظم قصائد كامل الشناوي وهما "عدت يا يوم مولدي"، و"لا وعينيكي".
كامل الشناوي في عيون أدباء عصره
عُرف الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوي بلقب "الشاعر المحروم"، وقد أجمع أدبء عصره على تجربة الحب التي عاشها وأفضت به إلى الهلاك، البداية كانت مع الكاتب والناقد الكبير رجاء النقاش الذي يقول في كتابه (شخصيات لا تُنسى):"عشت مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه.. وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء، المجد والشهرة والشعر، ولم تعطه شيئًا. أحبها فخدعته.. أخلص لها فخانته.. جعلها ملكة فجعلته أضحوكة".
مصطفى أمين كشف عن جانب كبير من تلك المعاناة فقال:"إن لعنة الحب الفاشل أصابت الشاعر، حتى أنه كان يشعر أن هجرة محبوبته قتلته، ولم يبق سوى موعد تشييع الجنازة، وكان يجلس يوميا يكتب عن عذابه، وأصبح يتردد على المقابر، وحينما سأله مصطفى أمين عن ذلك، أجابه بابتسامه حزينة وقال: "أريد أن أتعود على الجو الذي سأبقى فيه إلى الأبد"، وأكمل قائلاً:"هجر كل شيء وقرر أن يكون شاعرًا، ثم قسم نفسه بين الشعر والصحافة، إنه أول من رأيت ينام في النهار ويسهر في الليل، إنه الشاعر الرقيق كامل الشناوي، خفيف الدم، وهو دائم الضحك والإضحاك أيضًا".
قال عنه أنيس منصور إنه آخر الظرفاء في تاريخ الأدب والصحافة، فهو أستاذ النكتة والشياكة والقفشة النظيفة، وصاحب تعبيرات مبتكرة، يبتكرها كل ليلة وتنطلق في ليالي القاهرة.
أما عملاق الأدب العربي الأستاذ عباس العقاد، فقال مخاطبَا إياه:"لا تزال كما أنت، لست صغيرا، ولا تريد أن تكون كبيرًا".
حفرت جراح هذه القصة نفسها في قلب كامل الشناوي، الذي ظل مخلصًا لجرحه رغم العذاب الذي كان يشعر به، حتى قيل إنه مات مكتئبًا، لم يتزوج ولم يكن يعاني من أي أمراض، وذلك في 30 نوفمبر 1965م.