تقارير وتحقيقات
أزمة السودان.. تطورات سياسية متسارعة وجهود إقليمية وسط انقسام متزايد

شهدت العلاقات السودانية-الكينية توتراً ملحوظاً في الأيام الأخيرة، على خلفية استضافة نيروبي لاجتماعات سودانية تضم قوات الدعم السريع وحوالي 30 جسماً سياسياً ومهنياً وأهلياً وحركات مسلحة. وقد لوّح رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكيني، موساليا مودافادي، بالاعتراف بأي نتائج تتوافق عليها الأطراف السودانية في نيروبي، مؤكداً ثقة بلاده في قدرة الشعب السوداني على إيجاد حل سريع للأزمة الحالية.
واعتبرت الخارجية السودانية أن كينيا "تنكرت لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي ومعاهدة منع الإبادة الجماعية" بسبب استضافتها لهذه الاجتماعات. ووصفت الخرطوم هذه الخطوة بأنها "إعلان عداء لكل الشعب السوداني" ودعت المجتمع الدولي لإدانة مسلك الحكومة الكينية.
في المقابل، دافعت كينيا عن موقفها موضحة أن استضافتها للاجتماعات تأتي في إطار سعيها المستمر لإيجاد حلول توقف حرب السودان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وذكّرت الحكومة الكينية بتاريخها في استضافة محادثات سلام سودانية سابقة، بما في ذلك مفاوضات نيفاشا وبروتوكول ماشاكوس الذي أنهى الحرب الأهلية الثانية في السودان عام 2002.
الأمم المتحدة تعرب عن قلقها من إعلان حكومة موازية
أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، عن قلقه من الإعلان المقرر عن تشكيل قوات الدعم السريع حكومة موازية، محذراً من أن ذلك سيزيد من "انقسام" السودان و"مفاقمة الأزمة". وأكد أن "الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه يظل عنصراً أساسياً في التوصل إلى حل دائم للنزاع وفي استقرار بعيد المدى للبلاد والمنطقة".
تطورات تشكيل "حكومة الوحدة والسلام" الموازية
في تطور لافت، ظهر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في لقاء مع مبروك مبارك سليم، رئيس حزب الأسود الحرة، بينما تجري في نيروبي أعمال توقيع وثيقة الإعلان السياسي والدستور المؤقت للحكومة الموازية التي تسعى قوات الدعم السريع لإقامتها في المناطق التي تسيطر عليها.
لكن مراسم توقيع الوثيقة السياسية تأجلت بسبب مشاركة غير متوقعة لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، عبد العزيز آدم الحلو، مما استدعى تأجيل التوقيع إلى يوم الجمعة، لإتاحة الفرصة لمزيد من المشاورات حول الدستور المؤقت.
ومن المتوقع أن يتم تشكيل "حكومة الوحدة والسلام" بعد أيام قليلة من توقيع الوثيقة، لتكون بديلاً للحكومة الحالية التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة لها برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
تحركات الحركة الإسلامية وموقف علي كرتي
في سياق متصل، وجه الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي، رسالة إلى أعضاء الحركة معرباً عن شكره لموقفهم "الثابت في الحق". وأكد كرتي أن الحركة تحمل أمانة الدفاع عن "الدين والعرض والأرض" متكاتفين مع القوات المسلحة بحسب وصفه.
وأوضح كرتي أن "الطريق نحو تحرير البلاد طويل، وأن الأعباء ثقيلة والأمانة عظيمة"، داعياً أنصاره إلى "عدم الاستكانة، بل إلى بذل الجهد والعمل من أجل الدين وإصلاح أحوال الناس".
جهود الاتحاد الأفريقي والإيجاد لحل الأزمة
عقد الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد اجتماعاً تشاورياً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، جمع ممثلين عن القوى السياسية السودانية لمناقشة سبل إنهاء النزاع. وشهد الاجتماع مشاركة واسعة من مختلف القوى السياسية، بما في ذلك تحالف "صمود" والكتلة الديمقراطية وحزب الأمة القومي.
كما قدم تحالف "صمود" رؤيته التي تضمنت دعوة لوقف الأعمال القتالية ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة وحماية المدنيين، مشدداً على ضرورة إنشاء حوار شامل يهدف إلى معالجة جذور الأزمة. وأكد التحالف أن "الأزمة السودانية يجب أن تُحل من خلال آراء وقناعات السودانيين أولاً وأخيراً".
جدير بالذكر أن عبدالله حمدوك شارك في قمة الاتحاد الأفريقي للرؤساء في أديس أبابا، بينما غاب البرهان بسبب تجميد عضوية السودان في المنظمة الأفريقية.
البرهان يجيز تعديلات على الوثيقة الدستورية
أعلن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، عن إجازة تعديل الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، في خطوة تأتي ضمن نية البرهان لإجراء تعديل حكومي.
وأوضح وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الإعيسر، أن الاجتماع المشترك لمجلس السيادة والوزراء قد أجاز الوثيقة الدستورية مع التعديلات الخاصة بسنة 2025. كما تمت إجازة تعديلات على قوانين الشركات والإجراءات الجنائية وتشجيع الاستثمار.
وأضاف الإعيسر أن الاجتماع تطرق إلى الموقف الكيني، حيث تم اتخاذ قرار بتكوين لجنة للتعامل مع الموقف الكيني. في الوقت نفسه، أكد عضو مجلس السيادة، ياسر العطا، أن البرهان يعتزم إلغاء الوثيقة الدستورية المعمول بها واستبدالها بدستور جديد من أجل إدارة الفترة التأسيسية الانتقالية، مع تعيين رئيس وزراء مستقل وتشكيل حكومة تضم كفاءات مستقلة.
تحليل الوضع السوداني: انقسام متزايد وتداعيات خطيرة
يشهد السودان حالة من الانقسام السياسي والعسكري غير المسبوق، مع تسارع خطوات إنشاء حكومتين متنافستين: حكومة البرهان في بورتسودان وحكومة "الوحدة والسلام" التي تعتزم قوات الدعم السريع تشكيلها في المناطق الخاضعة لسيطرتها. هذا الانقسام ينذر بتحول النزاع المسلح إلى انقسام دائم قد يهدد وحدة البلاد ويعمق الأزمة الإنسانية المتفاقمة أصلاً.
تعكس التطورات الأخيرة فشل المساعي الإقليمية والدولية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة. ويبدو أن كلا الطرفين يسعى إلى فرض أمر واقع جديد، مما يقلص فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في المدى القريب.
السيناريوهات المحتملة للأزمة السودانية
انقسام طويل الأمد
قد يؤدي إعلان حكومتين متنافستين إلى تكريس الانقسام الجغرافي والسياسي في السودان لفترة طويلة، مما يشبه نموذج ليبيا. وفي هذا السيناريو، ستستمر الاشتباكات العسكرية على خطوط التماس بين مناطق سيطرة الطرفين، مع سعي كل طرف للحصول على اعتراف دولي وإقليمي لشرعنة سلطته.
تصاعد النزاع وتدخلات خارجية أوسع
مع تزايد حدة الانقسام، قد تتسع دائرة التدخلات الخارجية، مع اصطفاف قوى إقليمية ودولية وراء الطرفين المتصارعين. وهذا قد يؤدي إلى تحول الصراع السوداني إلى حرب بالوكالة، مما يزيد من تعقيد المشهد ويصعّب فرص الحل.
ضغوط دولية تفرض تسوية
قد تنجح القوى الدولية وخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في فرض ضغوطاً متزايدة على الطرفين للقبول بتسوية سياسية وإنشاء حكومة انتقالية توافقية. ويعتمد نجاح هذا السيناريو على مدى فعالية الضغوط الدولية وقدرتها على تقديم حوافز وضمانات للطرفين.
يواجه السودان منعطفاً تاريخياً خطيراً مع تنامي الانقسامات السياسية والعسكرية وفشل الجهود الإقليمية والدولية حتى الآن في وقف النزاع. وتبقى معاناة الشعب السوداني مستمرة في ظل أزمة إنسانية متفاقمة وانهيار اقتصادي.
ويبدو أن الحل الشامل للأزمة السودانية يتطلب نهجاً متكاملاً يتضمن وقفاً فورياً للأعمال العدائية، وتأمين المساعدات الإنسانية، وإطلاق حوار وطني شامل برعاية دولية وإقليمية، مع ضمانات حقيقية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وإنشاء آلية للعدالة الانتقالية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.