اتجهت انظار الدول الأروبية إلى منطقة الخليج إثر الأزمة القطرية في بداية يونيو 2017، حيث شهدت زيارات من قبل وزراء خارجية الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وألمانيا، وقد أرجع السبب في هذا الاهتمام إلى مصالح الدول الأوروبية مع قطر والدول الأربعة المقاطعة لها.
بداية، يمكن القول أن قطر بعد انقلاب الشيخ حمد على والده الشيج جاسم واستيلائه على الحكم، لجأت إلى استثمار عوائد الغاز والبترول في تدعيم أواصر الحكم فيها، ولذا سعت الشركات القطرية المنتجة للغاز المسال إلى إحداث شراكة مع شركات عالمية للاستفادة من هذه الشركات كأداة ضغط وقت الحاجة إليها، حيث تمتلك كل من شركة أكسون موبيل وهش الأمريكيتان 30% من أسهم شركة البترول القطرية الحكومية، كما تدير شركات طاقة عالمية الحقول البحرية الأخرى وفق اتفاقيات الإنتاج المشترك. ويملك أسهم شركة قطر للغاز كونسرتيوم يضم شركات قطر للبترول وتوتال الفرنسية وأكسون موبيل الأمريكية وشركتي ميتسوي وماروبيني اليابانية وكونوكو فيلبيس الامريكية ورويال دوتش شل البريطانية الهولندية، كما افتتحت قطر أكبر مصنع في العالم لتحويل الغاز بالاشتراك مع شركة شل الأمريكية، وقد وصل حجم الاستثمارات القطرية في أوروبا إلى حوالي80-100 مليار دولار، وبلغت فى بريطانيا 35 مليار جنيه استرليني، كما تمتلك قطر 34% من ناطحات السحاب فى لندن، وفي فرنسا حوالي 8 مليار دولار وفى ألمانيا حوالي 13 مليار دولار وفى هولاندا حوالي 2.33 مليار دولار.
يبلغ حجم الاستثمارات القطرية في ألمانيا أكثر من 25 مليار يورو، على شكل مشاريع وحصص في العديد من الشركات الألمانية.ويبلغ حجم الاستثمار القطري في بنك دويتشه بحدود 9%. وتحوز نسبة الاستثمار القطري بشركة فولكس فاجن 17%. أما بالنسبة لشركة سيمنز لا تتعدى 3.3%، كما أن المجلس الإشرافي لشركة فولكسفاغن للسيارات بها مشرفان من قطر، ونظرا للمصالح الألمانية مع أطراف الأزمة فقد حاولت ألمانيا أن تقف على الحياد من الأزمة.
بلغت الاستثمارات القطرية في فرنسا 25 مليار يورو، تتوزع على القطاع العقاري والعلامات التجارية والأسهم، كما أطلقت قطر وفرنسا صندوقا مشتركا لاستثمار 300 مليون يورو في الشركات الفرنسية الصغيرة، واشترت قطر من قبل حصة في شركة ”فيوليا” الفرنسية للبنية التحتية، وشركة فينسي للبناء، كما اشترى الصندوق السيادي لقطر العام 2012 نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، وقد حاز العديد من الشركات الفرنسية على نصيب كبير من المشاريع الكبرى في قطر، حيث فاز تحالف شركة ”QDVC” بمناقصة في مشروع السكك الحديدية تجاوزت قيمته 7 مليارات ريال، بينما فازت شركة ”إيجيس” بعقدين لأعمال تتعلق بالطرق والبنية التحتية بلغت قيمتهما 780 مليون ريال. كما تضاعف حجم التبادلات التجارية بين البلدين في الأعوام الثلاثة الأخيرة، حيث قفز من 4.7 مليارات في 2009 إلى 8.3 مليارات ريال في 2012، وهذا التعاون الاستراتيجي والاقتصادي جعل العلاقات بين قطر وفرنسا تحتل زخما كبيرا في دوائر القرار في كلا البلدين، حيث صمدت أمام كل المتغيرات والزمت فرنسا الحياد في الأزمة الأخيرة.
هذا وقد وقعت قطر وفرنسا اتفاق دفاع بين البلدين في عام 1994، وتوطّدت العلاقات الوثيقة بينهمامن خلال تنظم تدريبات عسكرية ثنائية بانتظام في قطر، كما يخضع التعاون مع قطر في مجال الأمن الداخلي لمذكرة تفاهم عام 1996 وتدبير فني عام 2005 تم توقيعهما مع الدرك الوطني الفرنسي،من ثم يمكن القول أن مستقبل الدور الأوربي في الأزمة القطرية تحكمه مصالح هذه الدول مع طرفي الأزمة، فعلى المستوى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري هناك تعاون كبير من كلا الطرفين، إلا أنه يمكن القول أن كفة كل من السعودية والإمارات على المستوى العسكري والاقتصادي اعلى من قطر نظرا لما يتوفر لدى الدولتين من مقدرات اقتصادية هائلة واستثمارات كبيرة ورغبة في التسليح تفوق درجة تعاون قطر مع الدول الغربية، إلا أن ما يجعل هذه الدول أكثر ميلا على المستوى الاعلامي لقطر هو الدعم الذي تقدمه قطر لجماعة الإخوان المنتشرة في الدول الأوروبية بما فيها أمريكا والتي توغلت في مؤسسات صنع القرار الغربية وأصبحت أداة من أدوات قطر في الضغط على هذه الدول فضلا عن عدم رغبة الدول الغربية في أن تتجه هذه الجماعة لاستخدام العنف والارهاب ضدها داخليا، وأيضا بسبب الدعم الذي تقدمه قطر لجماعات الإسلام السياسي في دول الثورات العربية والتي ترغب الدول في الحصول على مقدراتها من البترول والغاز لضمان تحقيق التنمية المستدامة فيها وكذلك ضمان القرار السياسي في هذه الدول من خلال وصول جماعات تدين بالولاء للدول الغربية وأيضا للحيلولة دون سيطرة روسيا والصين على منابع الطاقة في المنطقة للتأثير على التنمية ومكانة هذه الدول في النظام العالمي، ومن ثم فإن الدول الغربية سوف تعمل على تعزيز الخلاف بين الدول العربية وإطالة أمد الأزمات التي سيتم استنزاف أطراف الأزمة لتحقيق اقصي درجة لمصالحها في المنطقة.