تقارير وتحقيقات
الصعوبات التي تواجه القطاع السياحي وملامح مواجهتها
د . محمد جمعةنحن نعلم جميعا ما تملكه مصر من مقومات سياحية وعناصر جذب طبيعية بما لها من موقع جغرافي يتوسط الكرة الأرضية وتكاد تملك شاطئ أحد أهم بحار العالم الكبرى وهو شاطئ البحر الأحمر من شمال السودان وصولا بقناة السويس والبحر المتوسط كما تطل على شاطئ البحر المتوسط بآلاف الكيلو مترات وتتميز بمناخ معتدل الحرارة صيفا دفيء شتاء كما يتوسطها أعظم أنهار الدنيا الذي قامت عليه أعظم حضارة عرفها التاريخ وما زال العلم الحديث يقف عاجزا عن تخيل وفهم تلك الحضارة التي تركت وراءها ملايين القطع الأثرية النادرة والفريدة .
وكانت أهرامات الجيزة وما زالت أحد عجائب الدنيا السبع التي بنيت بتصميم معماري فريد استخدمت فيه وسائل حديثة لم يصل العلم إليها في عصرنا الحديث كما كانت الأقصر بما تملك من آثار أدهشت العالم ومعابد فيلة والكثير من المزارات على طول مجرى النيل يمينا ويسارا حيث سكن المصري القديم.
وقدمت الدولة على مدى العقود الماضية تسهيلات لإقامة الفنادق والقرى السياحية وتم إنشاء كليات ومعاهد السياحة والفندقية لتوفير العنصر البشرى للأعمال السياحية إذا كل مقومات صناعة السياحة موجودة ومتوفرة بغزارة على الأراضي المصرية كل هذا ولم تستطع مصر الاستفادة بما لديها من شواطئ وآثار ومزارات سياحية فريدة دينية لكل الديانات السماوية ففى مصر مسار رحلة السيد المسيح ودير سانت كاترين وعيون موسي ومزارات دينية كثيرة.
فلماذا فشلت مصر في الاستفادة من كل تلك المقومات ؟
أولا يجب الاقرار بأنه لم تكن هناك خطة واحدة على طول تاريخ مصر السياسي منذ ثورة 1952 إلى الوقت الحالي لتنمية السياحة وتطويرها والاستفادة من تنوعها اللهم إلا بعد الأفكار التي ظهرت على أرض الواقع وكان نتاجها مدينة شرم الشيخ كمنتجع عالمي وبعض الأماكن السياحية الأخرى التي لم تستطع بإمكاناتها أن تجذب السياح بأرقام كبيرة ولم تصل مصر بكل ما تملك إلى رقم سياحي يعول عليه سوى في عام 2010م حيث وصل عدد السائحين 10مليون سائح ونجد أن بلد حديثة مثل دبي تستقبل من 30الى 40 مليون سائح سنويا وبلد مثل تركيا لا يملك أى مقومات سياحية تذكر بجانب ما تملكه مصر استطاع أن يجعل نفسه وجهة سياحية كبري واستطاع أن يجعل من مصر محطة لبرامجه السياحية فاشترى الفنادق في مصر وانشيء شركة للطيران الشاتر ومصر أصبحت مزارا ضمن برنامج رحلة مدفوع القيمة لتركيا.
ونحن فى مصر لم ندرك يوما ذلك ولم يكن هناك خطة للتوعية بأهمية السياحة للدخل القومي وأهمية السياحة في تشغيل طاقات الشباب والاستفادة من القوة البشرية الموجودة والتي سدت أمامها كل أسواق العمل سواء العربية أو الأجنبية واعتمدت مصر في التسويق للسياحة على برامج تسويقية هزيلة تستنفد الأموال دون مردود يذكر ودون أي زيادة حقيقية للأعداد من السائحين نتيجة البيروقراطية والمصلحة الشخصية فكانت وزارة السياحة وما حولها من هيئة ومنظمات منبثقة عنها كيان روتيني قاتل لأي إبداع ولم نرى أي دور فاعل لوزير خلال العشر سنوات الأخيرة حتى أن بعضهم ظل حبيس مكتبه طوال فترة عمله كوزير للسياحة.
هنا نسأل متى يمكن أن نستفيد من مواردنا السياحية المختلفة والمتنوعة ؟
الجواب قطعا بقتل الروتين واتخاذ عدد من الإجراءات وإصدار عدد من التشريعات لحماية المنظومة السياحية وإعادة هيكلة وزارة السياحة والهيئات المنبثقة عنها وتزويدها بعناصر بشرية وخبراء سياحيين يستطيعون تقديم نهضة حقيقية في المجال السياحي وإصدار عدد من التشريعات وتقديم الدعم الحكومي للمشاريع السياحية وتخفيض فاتورة الطاقة والمياه والضرائب على المنشآت السياحية بل يجب المطالبة بإعفائها من الضرائب نهائيا لمدة عشر سنوات حتى يستعيد القطاع عافيته مرة أخري وعدم المبالغة فى فواتير الكهرباء والمياه حتى تستطيع تلك الكيانات تقديم خدمات سياحية بسعر رخيص بما يؤدى إلى الإشغال الكامل للوحدات وبالتالي زيادة عدد السائحين بما سيجلب مليارات الدولارات.
على الدولة أن تراعى أن دعم المنتج أو الصناعة المحلية سوف يكون له مردود جيد على الدخل القومي الاجمالى وليس الغاية هو بيع المنتجات الخدمية بالسعر العالمي فترتفع أسعار البرامج السياحية وتقل التنافسية مع دول تقدم برامج سياحية أرخص بكثير من مصر.
ويحب الاشارة الى ان تعويم سعر الجنيه مقابل الدولار كان كارثة حقيقية على القطاع السياحي بصفة خاصة وكافة القطاعات الأخرى بصفة عامة فارتفعت أسعار البرامج السياحية بكل أشكالها وأصبح الاقتصاد موجه للخارج ودعم المنتج الأجنبي وليس موجه للداخل فظهر ذلك في انخفاض القوة الشرائية وحدث كساد فى كافة الأنشطة ومنها وأهمها النشاط السياحي فتذكرة الطيران مثلا تضاعف سعرها نتيجة التعويم وزادت التكلفة لأن الدولة رفعت أسعار السلع الإستراتيجية وبالتالي لم يستفد القطاع السياحي ولا القطاع الصناعي الذي يعتمد على مدخلات مستوردة من التعويم.
لذلك كان لابد من التفات القيادة السياسية لضرورة وقف استنزاف الاقتصاد وتشجيع التجارة الداخلية وإعادة ضبط سوق المال وإعادة النظر في أسعار الخدمات والنظم الضريبية المطبقة حاليا خصوصا أن فيها ازدواجية ومبالغ فى سعرها فضريبة القيمة المضافة مثلا أرى تخفيضها إلى 5% بدلا من 14% لأن أي ربح لمنتج كامل لن يزيد عن 30% في أنجح المشاريع الاستثمارية فإذا الدولة أخذت ضريبة نصف الربح فأين الاهلاكات وأين المصاريف الثابتة للمشروع وكيف يحقق صاحب رأس المال ربحا يشبع الحد الأدنى وهو أعلى فائدة بنكية ممكن أن يحصل عليها وهى 17% فلو تم احتساب الفرصة الضائعة وهى 17% وضريبة قيمة مضافة 14% ستكون هناك خسارة 1% خلاف خسارة تكاليف المشروع والمصروفات الثابتة والمتغيرة إذا على الدولة أن تراجع السياسات الضريبية وأسعار الخدمات وتترك هامش ربح مقنع للمستثمر سواء في المجال السياحي أو في أي مجال أخر.
كما ان من أهم المشاكل التي تواجه السياحة فى مصر المشكلة الأمنية وعلى الدولة ضبط الحدود والمنفذ الحدودية وإعادة هيكلة شرطة السياحة بضباط سياحة أكفاء على مستوى عالي من الخبرة والمهارة اللغوية والمظهر العام كما أن أسعار الخدمات والضرائب عائق كبير أمام نهضة السياحة لأنها تستزف القدرات وتهمل الصيانة بما يؤثر على الكيانات السياحية ومدى تنافسيتها مع الدول الأخرى.
اضافة الى ذلك فان الطرق السياحية فى مصر تحتاج إلى تطوير وصيانة بما يشعر السائح بالأمان ونقل صورة حضارية ذهنية وبصرية واقترح لنجاح ذلك أن تتبنى الوزارة فكرة الدوائر السياحية التي تتضافر فيه جهود كل الوزارات من أجل تقديم المزار السياحي في أرقي صوره ولدينا مشروع تصوير هضبة الهرم مع طريق الواحات كدائرة سياحية وتطوير مطار أكتوبر ليستقبل الطيران الشارتر وعمل عدد من المشاريع حول منطقة الأهرامات كديزنى لاند وتليفريك وقطار زجاجي لتكون منطقة جاذبة يستطيع السائح قضاء اكبر وقت ممتع بأعظم أثر على وجه الأرض.
كما يتم عمل سينما مفتوحة ومسرح للعروض العالمية وعدد من البازارات والمطاعم والأماكن الخدمية اللوجستية التي تقدم للسايح الخدمات بأقل الأسعار وفى أفضل حال ومنع كافة أشكال التحرش والبلطجة والضبط الكامل لمنظومة الطرق والمرافق والأمن
وتعتبر واحدة من أبرز العقبات التي تواجه السائح في مصر هو الاستغلال من جانب قلة مفسدة يجب استئصالها من المنظومة السياحية بما يعرف (بالخرتجية) وعلى الدولة وضع تشريع صارم وتغليظ العقوبة لكل من يمارس عملا سياحيا أو يتعلق بالسياحة دون ترخيص بذلك
فالمكاتب السياحية لديها خبرة كبيرة في إدارة المنظومة السياحية ولكن يحد من إمكاناتها الاحتكار وعمل الكثير من الأشخاص كسماسرة في الأنشطة السياحية بما أفسد القطاع بالكامل.
فتجد مثلا الشركة تغلق إذا ما اشتكى سائح سوء طعام أو تقصير ما فى حين أن هناك آلاف الشركات والمواقع الالكترونية التي تبيع الخدمات السياحية دون تحمل أي عبء يذكر
وهنا يجب على الدولة التدخل لضبط عمل تلك المواقع الالكترونية حيث أنها لا تخضع لأى نظم ضريبية وجميع الأموال تحول بطرق الكترونية في حين أن الشركات تقدم ميزانيات سنوية للوزارة السياحة ومصلحة الضرائب ولنقوم بعملية إصلاح حقيقي
أولا يجب إعادة هيكلة وزارة السياحة بشكل كامل والهيئات التابعة لها ووضع خطة سياحية قصيرة وطويلة المدى تبدأ فى دعم صناعة السياحة وتخفيف الأعباء عن القطاع السياحي بتخفيض أسعار الخدمات وتخفيض الضرائب بل بالإعفاء الكامل لبعض الأنشطة السياحية
وضع خطة تسويقية عالمية عن طريق إنشاء شركة مساهمة مصرية برأس مال 20 مليار جنيه نصفها لإنشاء شركة طيران شارتر والباقي لشركة تسويق وإدارة عالمية يتم الاستعانة بخبراء تسويق من كل دول العالم وفتح آفاق جديدة للسياحة الأفريقية وتقديم تسهيلات ومزايا من تأشيرات دخول مجانية وتخفيض اسعار السلع والخدمات وتخفيف الإجراءات الجمركية
ما هي سبل استعادة حركة السياحة الوافدة ؟
السياحة مجملا تمرض ولا تموت ويجب ألا نعتمد في الترويج للسياحة المصرية على مصدر واحد فكما أن لدينا مئات البرامج السياحية يجب أن يتم رسم خريطة سياحية وضبط كافة البرامج السياحية عن طريقة هيئة مستقلة بوزارة السياحة تضع البرامج السياحية وتسعرها بالاتفاق مع الشركاء السياحيين من شركات سياحية وفنادق وشركات نقل سياحي بما يضمن عدم المبالغة فى الأسعار وبالتالي تقديم برنامج سياحي رخيص تحت إشراف الدولة.
يجب ألا نعول على السياحة الروسية كثيرا حيث أن السائح الروسي حاليا ليس لدية القدرة الشرائية نظرا لما تمر به روسيا من أزمة اقتصادية وبالتالي يجب فتح آفاق جديدة من الأسواق السياحية والتخلص من هيمنة الشركات التركية على السوق المصري وبالتالي يجب تأكيد شخصية مصر السياحية على مستوى العالم من خلال برامج تعليمية وتوعية وإعلام وصحافة يجب أن تتضافر الجهود لإبراز قيمة مصر السياحية وإظهار عوامل الجذب السياحي .