فن وثقافة
تكفير واغتيال.. نجيب محفوظ بين المتطرفين والأزاهرة في ذكرى مولده
جهاد السيوفي
شَهِدَ حي الجمالية بالقاهرة قبل 112 حَوْل على مولد رائد الرواية العربية نجيب محفوظ، كاتب جَذبَه الأدب فَتوغَّل فِيه حتى حظى بأعلى جائزة أدبية في العالم، تعمق في الفكر الفلسفي وشغلَه حتى حاولت الجماعات المتطرفة اغتياله بدعوى الكفر والإلحاد على يد أُميًّا لََا يَفقَه حتى أَحرُف لُغته العربيَّة.
محفوظ من الجمالية إلى العالمية
وُلِد في 11 ديسمبر 1911، لعائلة متوسطة، منحه والده اسم الطبيب الذي أشرف على ولادته، الدكتور “نجيب محفوظ باشا” ليصبح اسمه مُركَّبًا "نجيب محفوظ"، بدأ رحلته من الكُتَّاب، ومن الثانوية إلى دراسة الفلسفة بالجامعة المصرية، وهناك الْتَقى بعميد الأدب العربي «طه حسين»، كما تعرَّف على مجدِّد الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث «مصطفى عبد الرازق».
تخلى محفوظ عن نيل درجة الماجستير في الفلسفة عن موضوع “الجَمال في الفلسفة الإسلامية"، إذ عِشق الأدب وَأثَر أن يقدم الفلسفة من خلاله، وخرجت "عبث الأقدار" أول إبداعاته للحياة عام 1939، ليصل إلى ذُروة براعته الروائية مع الثلاثية الشهيرة: «بين القصرَين» و«قصر الشوق» و"السكرية".
وبعدها كان الختام بالمرحلة الرمزية، والتي انجبت أحد أهم أعماله وأكثرها جدلًا منعها من النشر وتسببت في حاوله اغتياله وتكفيره وهي رواية "أولاد حارتنا"، وقد نوهت عنها الاكاديمية السويدية في حيثيات الفوز قائله أنها "تَناوُلت بَحْث الإنْسان الدَّءوب عن القيم الرُّوحيَّة"، وفي خضم هذا الإبداع حظى بجوائز عالمية ومحلية، أبرزُها: "جائزة نوبل في الأدب" عام 1988م، بالإضافة إلى "قلادة النيل» في العام نفسه.
محاولة اغتيال محفوظ
بدأ محفوظ في نشر “أولاد حارتنا” مسلسلة في جريدة الأهرام عام 1950، وتوقفت في ذات العام لاعتراضات هيئات دينية بدعوى "التطاول على الذات الإلهية"، ومع طبيعة محفوظ المسالمة مُنعت من النشر في بيروت ثمان سنوات، ورغم ذلك انطلقت حملة شرسة تتهم محفوظ بالكفر والإلحاد تعرَّض على إِثْرهَا لمُحاوَلةِ اغتيال عام 1995، أثَّرت على أعصابِ الرقبة، مما حد من قدرته على الكتابة، ولم تنشر في مصر حتى عام 2006.
وقف ضد محفوظ عدد من الأدباء منهم يوسف إدريس، والشيوخ “كعبد الحميد كشك" الذي افرد كتابًا باسم "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا"، حتى تطور الأمر إلى فتوى من بإهدار دم نجيب محفوظ من “عمر عبد الرحمن" أمير جماعة الإخوان المسلمين، وبعدها رفض محفوظ الحراسة التي عينتها وزارة الداخلية له.
رمزية الجبلاوي والتطاول على الذات الإلهية
أخذ المتشددين دينًا ظاهر ما كتبه نجيب محفوظ كعادة أهل التدين المتطرف والكمي، لم يفهموا رمزية نجيب محفوظ ولا الصراع الديني والعلمي الذي أراد أن يشير إليه، ليصل بهم الحال إلى إتهام محفوظ بإنكار وجود الله لأنه قتل “ الجبلاوي" كبير الحارة في الرواية آخر الحكاية على أنه يرمز للذات الإلهية.
حملت أولاد حارتنا بيت طياتها شخصية الجبلاوي، كبير الحارة المتحكم في جميع خيوطها في قصره العالي ولا يراه أحد، ويلمك من الأبناء أدهم وإدريس، ومن ثم يطرد الجبلاوي إدريس ويفضل أدهم، مما جعلها تشبه قصة الخلق وأدم عليه السلام، ليقتل “الجبلاوي” في نهاية الحكاية على يد شخصية مهوسة بالعلم حد الجنون تدعى “عرفه”.,
وحقيقة الأمر كما فسرها نجيب محفوظ، أن الجبلاوي ما هو إلا رمز للدين الذي تخلى عنه الناس أمام اعتقادهم الأعمى في العلم الذي يمثله "شخصية عرفه" قاتل “الجبلاوي”، وقد رسمه محفوظ كشخص رافض للإيمان يظن أن العلم قادر على أن يَحْي اَلْمَوتى، ليكتشف الناس بعد مقتل “الجبلاوي” رمز الدين، أن العلم بدون إيمان ودين شر مطلق قتل حياتهم.
محفوظ في عيون الأزاهرة
توقف نجيب محفوظ عن نشر رواية أولاد حارتنا في السوق المصري حتى موافقة الأزهر الشريف، وقد قامت صحفية “صوت الأزهر” الجريدة الرسمية لمشيخة الأزهر بنشر تقرير تحت عنوان "نجيب محفوظ في عيون الأزاهرة" في ذكرى الخامسة عشر لرحيل محفوظ، تناولت خلاله آراء أساتذة النقد بجامعة الأزهر، بهدف الرد على المزاعم حول وجود موقف أزهري ضد أدب نجيب محفوظ.
وأكد اساتذة النقد في الأزهر أن محفوظ ذو مكانه محفوظ ومحترمه في أوساط الأزهريين الذين يثنون على أعماله ويعتبروه صاحب رسالة، قدر اللغة العربية الفصحى وحرص عليها في أعماله، كما أنه انتقل بالرواية العربية إلى العالمية، ولطالما كانت الشخصية الأزهرية في أعماله تتمتع بوفير الاحترام والإيجابية.