مقالات
رحيل «صالح علماني» يفتح جرح الترجمة في العالم العربي
بقلم: طه زيادةبالأمس القريب فقد العَالَمَان الناطقان بالإسبانية والعربية مترجمين عظام، أمثال محمود علي مكي، ومحمد أبوالعطا ومحمود السيد وعلى المنوفي، مع كامل احترامنا لألقابهم ومكانتهم جميعا، لتُختتم دائرة الحزن والفقد اليوم، برحيل أستاذنا الكبير والمترجم غزير الانتاج، صالح علماني.
يبكي الكثيرون على رحيل الرجل ويتباهون بإنجازه في عالمنا العربي، الذي لا يعترف بالترجمة كمهنة، وهذا أمر مع أهميته لا يستوقفنا كثيرا، بقدر افتقاد عالم المتباكين، هذا لمشروع ترجمي موسوعي حقيقي، ينقل هذه الأمة التي تقف على هامش الفكر والثقافة، نقلة علمية تواكب من خلالها العالم الخارجي، فهي أمة لا تنتمي حتى لدائرة استهلاك المنتج الثقافي، من وضعها الحالي إلى وضعية تعرف فيها حقيقة مكانتها وحقيقة ما يجري من حولها.
جهد "علماني" بمفرده يتجاوز مؤسسات أكاديمية وحكومية في عقود، فلقد كان بعمل بنظام صارم يتجاوز 8 ساعات يوميا بدون توقف، وقد عجزت بالفعل عن أنعيه، ولكن للأمانة ونحن نتذكر هذا الفقد وجلال الرزء، يجب أن نتذكر حال المترجمين، والهوة الشاسعة بين الأجيال، وهذا لا يعني أنني قد فقدت الأمل أو أن رهاني على جيل نابه من المترجمين الشبان سيواصل المسيرة، بل يعني أن ندق ناقوس تنبيه لأهمية الترجمة، ولا يعني هذا حقل السرد أو الأدب فحسب، وانما الابداع في كافة المجالات .
تتوقف معرفة عموم الناس في بلادنا عند عالم الواقعية السحرية، وسنوات قليلة بعدها، إن لم أكن مخطئا، ويفتقدون حلقات كثيرة في تطور مسيرة الإبداع في عالم أمريكا اللاتينية، التي شهدت ثورة أدب الطفرة أو (البوم)، هناك جيل الكراك أو الشرخ، الذي أفرز مبدعين أكدوا أن المنطقة إبداعها لا يقتات من تراث فان، بل قادر على المزيد من الطفرات، وهناك جيل الأزمة المالية في العقد الأول من الألفية، وغيرها كثير من التيارات، وهناك أيضا الأصوات النسائية المبدعة شعرا ونثرا وفكرا. اتمنى ألا يمر رحيل "علماني" مر الكرام، بمعنى البكائيات التقليدية والمرثيات الطويلة على الفقيد الغالي، وأن يكون علامة فارقة نتوقف عندها لنتأمل حال هذا المجال المهم وماذا يمكن أن نفعل لتتغير الأحوال.
رحم الله صالح علماني، فلقد عاش ومات في إسبانيا، تاركاً لنا إرثاً من الفكر والمعرفة في العديد من المراجع والكتب التي قام بترجمتها من أجل تنوير وتثقيف الأمة .